لا تبدو الهوّة الكبيرة بين مؤتمر «جنيف 2» الذي يُعقد حالياً في مونترو السويسرية وبين الشارع السوري حدثاً مفاجئاً. رغم أن متابعة أخبار المؤتمر العتيد بدت جزءاً من اهتمامات بعض شرائح المجتمع السوري، طغت على هذه المتابعة سِمة السخرية. سخرية يمكن تلمّسها بوضوح في الأحاديث اليومية، أو عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. في هذا السياق، تداول الكثير من السوريين خلال اليومين الماضيين تسجيلاً لأغنية ساخرة بعنوان «باص جنيف» (كلمات وألحان الشاعر والصحافي عابد ملحم). التسجيل الذي حفلت به صفحات المعارضين على وجه الخصوص عبارةٌ عن «بروفة» لأغنيةٍ تتناول حال المعارضة والمؤتمر. الأغنية كُتبت ولحِّنت قبل أشهر، لكنها تبدو صالحةً للتداول كأنّها كُتبت الآن. على أرض الواقع، لم تتحسّن حال المعارضة، بل صارت أسوأ. يقول مطلع الأغنية «هوب هوب يا بو صطيف، باصك طالع على جنيف.
زحمة وعجقة جوا الباص، وكلّو عمّا يضرب كيف». وَضعَ كلمات الأغنية عابد ملحم الذي يقول لـ«الأخبار»: «كثر الحديث عن مؤتمر جنيف وتصويره على أنه الحلّ، وسط انفصال جميع أطياف المعارضة السياسية عن الواقع الذي يجري على الأرض. هم لا يمثّلون أحداً على أرض الواقع». ويضيف «لا أدّعي أنني ملحن. لدي إلمام بالموسيقى، وقد قمت بالمهمّة لأننا لم نجد مختصاً يتصدّى لها».
يوضح ملحم أنّ «أغنية «باص جنيف» أنجزت قبل أن تتضح معالم الوفد المعارض. وهي عبارة عن هجاء ساخر لوضع مشاركين مفترضين في جنيف (شارك معظمهم فعلاً). وتصويرهم على أنهم يستقلّون باصاً، و«يضربون الكيف»، أيّ إن «الجميع محشّش» ولا يدري ماذا يفعل، ولا ماذا يقول». تدخل بنا الأغنية إلى الباص الافتراضي، «وجوا هالباص معلمين، كانت شغلتهم تنديد. أغلبهم المتنأقين، كرافة وطقم وقميص العيد». يضيف ملحم «تناولنا أهمّ الأسماء التي كنّا نظنّ أنها ستشارك في جنيف: رئيس «الائتلاف الوطني السوري المعارض» أحمد الجربا، وميشال كيلو، وهيثم المنّاع وآخرين». تبدأ الأغنية بـ«تشريح» الوفد المفترض «وفي واحد وشّو كالح، جربان وبدّو يصالح. وبإيدو «كيلو» موالح، ولابس شورت وآخر صيف».
لم يتمّ تسجيل الأغنية بشكل نهائي، فقد قام مسلحو «دولة الإسلام في العراق والشام/ داعش»، في أوائل الشهر الماضي، باختطاف الفنان والناشط المعارض عبد الوهاب ملّا (الصورة) الذي كُتبت الأغنية ولُحنت ليغنيها. وكان الملا قد شارك في العديد من الأعمال الفنية الأخرى والاسكتشات القصيرة والأغاني الثورية الشعبية. يقول ملحم «سجّلنا البروفة في الاستوديو الذي أنشأناه في حلب (شمال سوريا)، على نفقتنا الشخصية، وقمنا بتجهيزه على مدى ستة أشهر. لكن بكل أسف، لم نستطع أن نسجّل فيه أيّ أغنية سوى البروفة التي قمت أنا بنشرها بعد خطف عبد الوهاب، وتداولتها بعض وسائل الإعلام». ويضيف ملحم «طبعاً تمت سرقة الاستوديو بشكل كامل من قبل مسلحي داعش». بفضل «جهود داعش» إذاً خرجت أغنية «باص جنيف» إلينا مجرّد بروفة، على نحو يُشبه إلى حدّ كبير ما يحصل في «جنيف 2» الذي لا يختلف اثنان على أنّ مجرياته حتى الآن لا تعدو كونها بروفة، لكنها مليئة بالنشاز، خلافاً للأغنية.