يختتم المهرجان فيلم «ساعة التحرير دقت» للمخرجة هيني سرور. في سلطنة عُمان، قامت ثورة كفاح مسلّح هددت عروش حكام الخليج مرّة، وهددت نفوذ البريطانيين في الخليج وآمالهم بالسيطرة على الثروة النفطية. من عام 1965 إلى عام 1975، وقعت منطقة ظفار في السلطنة في يد الثوار. كانت ثورة بمعناها الحقيقي، أي ببرنامج متكامل، نظام اقتصادي ونهج تربوي وفكري وإرساء مفاهيم مساواة اجتماعية تقضي على أشكال التمييز كافة ضد المرأة وعلى مختلف أشكال القبلية. يكاد أن يكون الفيلم الوثائقي «ساعة التحرير دقت» (62 د ــ 1974) للمخرجة اللبنانية هيني سرور المادة الوحيدة التي توثّق يوميات وتفاصيل ظفار الثائرة في وجه السلطان قابوس. بدأ تصوير العمل عام 1971 وعرض للمرة الأولى عام 1974. شرحت فيه هيني سرور خلفية وبدايات الانتفاضة التي انتشرت في المناطق كافة التي كانت مدعومة من الجمهورية اليمنية الاشتراكية الجنوبية ومن الاتحاد السوفياتي في وجه دعم شاه إيران وبريطانيا والأردن بالسلاح والمال للسلطان قابوس ضد الثوار بعد تنحية سعيد بن تيمور عن الحكم لفشله في إخماد الثورة. وبالطبع مع دعم أمراء وملوك الخليج لقابوس، مشرّعين سماءهم وأراضيهم للقوات البريطانية لكي تضرب الثوّار.تذكرنا صورة الثوّار في جبال ظفار بالكفاح الفلسطيني في جبال لبنان وفي غور الأردن، وبالثوار في فيتنام وفي كوبا. حياة كاملة متكاملة في الغابات، نظام اجتماعي جديد، ندوات ومحاضرات وتعاون مع الأهالي لبناء المعسكرات وللاستفادة من المياه ومن الزراعة، إقامة مدارس للأولاد والسعي إلى محو الأمّية، والأهم التركيز على تثقيف المرأة والإصرار على إشراكها في الثورة بقدر مشاركة الرجل. ودعوة أبناء الخليج إلى الاتحاد والوحدة ضد مشاريع الاستعمار منها تقسيم الخليج العربي إلى إمارات، بحسب الجبهة الشعبية لتحرير ظفار.
كل هذا مسجّل في كاميرا هيني سرور، بالإضافة إلى لقطات من الأرشيف فيها معسكرات وقوات بريطانية في الخليج أثناء ضربها للثوار، ومع شرح للظروف السياسية كافة المحيطة بالثورة آنذاك. الوثائقي دعائي في لغته وانحيازه للثورة، ولا تختبئ هيني سرور خلف مواقفها المؤيدة لقضايا التحرير، وهي توثّق الثورة أثناء وقوعها وليس بعد انتهائها، كما فعل الروائي المصري صنع الله ابراهيم في رواية «وردة»، مستعيداً ثورة ظفار عبر مذكرات امرأة شاركت في الميدان وفي القيادة، وبنفَس نقدي ذاتي واستعراض لأخطاء الثورة أحياناً.
لكن الفيلم وثيقة مهمّة لاستعادة تلك الثورة المنسية. فما تبقى قليل من تأريخ لهذه المرحلة، وقد استطاع السلطان قابوس إخماد الثورة بعد قطع جميع الإمدادات عن الثوار ومحاصرتهم واستمرار ضربهم عسكرياً بدعم من الطائرات الحربية والمدفعية البريطانية.
أهمّ ما وصلت إليه ثورة ظفار هو محاولة إرساء موضوع المساواة بين المرأة والرجل محققة خرقاً داخل المجتمع القبلي العربي آنذاك. والمرأة الثائرة في تلك الحقبة، كان محور اهتمام هايني سرور، صاحبة روائي «ليلى والذئب» (بطولة رفيق علي أحمد ونبيلة زيتوني ــ إنتاج عام 1982) الذي تعرض فيه نضالات المرأة من لبنان إلى فلسطين. كما أنها صوّرت وثائقياً عن النساء المقاتلات في حرب فيتنام وتابعت حركة الكفاح المسلّح الفلسطيني في لبنان.
هيني سرور من الجيل السينمائي الأنثوي الأول في لبنان، إلى جانب رندة الشهال وجوسلين صعب... انطلاقاً من الأعمال التسجيلية، كانت أول امرأة عربية يستضيفها «مهرجان كان» في منتصف السبعينات، لعرض فيلمها «ساعة التحرير».

* «ساعة التحرير دقت»: س: 19:30 مساء الجمعة 21 أيلول