حين قيل لي تعالَ إلى صحنايا واقرأ شعراً، لم أقل «ما أنا بقارئ». تلك محضُ نبوَّة وأين نحنُ منها. هرعتُ من فوري حاملاً بضع أوراق في يدي، ودمشقَ في روحي، وآدم وقابيل وهابيل في مخيلتي وذهبنا جميعاً. طَوال الطريق، كنت أردد وإياهم «تغيّرتِ الديارُ ومَن عليها/ فوجهُ الأرض مغبرٌّ قبيحُ». بيتٌ يزعم البعض أنه أول شعر قاله بشري، وينسبون قوله إلى آدم إبان قتل قابيل لهابيل. وبرغم أن هذه المزاعم تقارب الحكايات الأسطورية، غيرَ أنها جديرة بإثارة الدهشة، إذ ربطت بين أول شعر، وأول دم مسفوك، وبين دمشق التي يقال إن قاسيونها كان مسرح تلك الجريمة. أفهل كانت نبوءة؟ أم أنه تناسخ التاريخ؟ لا يهم… المهم أنني كنت أفكر في قول كل ذلك لجمهور تلك الأمسية، لكن الحياة الطافحة من عيونهم، جعلتني أنسى وأقرأ شعراً عن الحب. بالأحرى، لم أكن أقرأ بل أتهجى الهواء المشبع بحبٍّ نثرته أرواح عشرات الحاضرين. وأحسب أن هذا أيضاً ما فعله أحمد كنعان وعدنان أزروني حين قرآ. وحين غنت ميرنا اسكيف، بلغ الفيضُ مداه وساد إصغاء طَقسي بديع.
أتذكر الآن أنّ التيار الكهربائي كان مقطوعاً، وأنني تساءلت قبل البدء كيف ستطغى أصواتنا على صوت مولدة الكهرباء التي كانت تزأر بكل ما أوتيَت؟ أتذكر أيضاً أنني لم أعد أسمع صوتها بعد لحظات من البدء، وأننا جميعا اندغمنا بالموسيقى التي فاضت من الغيتار، فصرنا وإياها الصوت والإصغاء. أتذكر ـــ ولا أصاب بالدهشة ــ كيف كانت الحياة وحدها حاضرة في تلك الأمسية غير عابئة بجنون الحرب، ولا بصراخ قابيل وهابيل اللذين التبسا. وأشهد أنني رأيت ابتسامة ساحرة تزين وجه دمشق وأنا أقرأ لها:
لعلك يا قلبُ تقوى قليلاً على الحلم بعدُ
لعلَّ السماء ستوغلُ في الأزرقِ الصِّرفِ،
إذ يعتريها خشوغُ يمامِ دمشق غداً... حينَ يشدو
لعلكِ يا روحُ تُصغينَ: كيف ستحيينَ إن لم يُجَمّلكِ ضدُ؟
لتوي سويتُ كلّ الخلافاتِ ما بين بصرة قلبي وكوفته… واتفقنا جميعاً أنِ «الراء طارئ أحرفنا»
ثم قلنا: نغني عن الحب… كي نوقف الحرب



أمسيات «عَناة» الثقافية كل ثلاثاء في «جاز كافيه» في صحنايا