باريس | عن 59 سنة، غيّب الموت المغني الجزائري رشيد طه، إثر نوبة قلبية حادة فاجأته أثناء نومه، ليلة أول من أمس، في شقته في حي Lilas الشعبي، في الضاحية الشرقية من باريس، حيث كان يقيم منذ السبعينيات. في هذا الحي الشعبي، خطا رشيد طه، الذي وُلد في وهران وهاجر رفقة والديه الى فرنسا في سن العاشرة، خطواته الفنية الأولى ضمن فرقة Carte de séjour، التي أسسها برفقة شلة من رفاق الحي، في مطلع الثمانينيات. فرقة مشاكسة انخرطت في حراك أبناء المهاجرين آنذاك، وارتكزت عليها اضواء الشهرة بالأخص بفضل اقتباسها الساخر لأغنية شارل تريني الشهيرة «فرنسا العذبة» Douce France، على إيقاعات موسيقية مغاربية. أغنية انتشرت كالنار في الهشيم، عام 1986، وتحولت واحداً الأناشيد المرافقة لمسيرة أبناء المهاجرين، الذين زحفوا مشياً على الأقدام، على مدى أربعة أشهر، من مرسيليا الى مقر البرلمان الفرنسي في باريس، للمطالبة بالمساواة في الحقوق بينهم وبين باقي الشباب الفرنسيين.في تلك التجربة الموسيقية الاولى ضمن Carte de séjour انخرط رشيد طه في موسيقى الروك التي شكلت التيار الغالب والأكثر اجتذاباً بالنسبة الى أبناء جيله. لكنه، مع مطلع التسعينات، انفصل عن الفرقة، وخاض رحلة بحثية طويلة من أجل استعادة الطبوع الموسيقية العربية التي أثّرت في ذائقته الفنية، سواء خلال طفولته في وهران، او بعد انتقاله الى المهجر.
من تلك الأبحاث، خرج رشيد طه بألبوم حمل عنوان «يا الرايح»، عام 1997، وعرف نجاحاً عالمياً، بفضل استلهامه أغاني من تراث فن الشعبي الجزائري، وتطعيمها بلمسات عصرية، عبر الآلات النحاسية والإلكترونية التي برع فيها خلال تجربته ضمن Carte de séjour، على مدى عقدين من الزمن. وقد توّجت أغنية «يا الرايح» كأغنية الموسم، خلال صيف 1997، في اغلب تصنيفات انتشار الأغاني، عبر العالم. نجاح شجع رشيد طه على معاودة الكرة، بعد ذلك بعام واحد، من خلال ألبوم «1، 2، 3: شمس!» الذي أصدره بالاشتراك مع خالد وفضيل، وانصب في استلهام عدد من كلاسيكيات أغنية الراي، وإعادة تقديمها في حلة عصرية مطعمة بتأثيرات الروك والريغي والبلوز. وأسفر ذلك الألبوم عن رائعة «عبد القادر يا بوعلام»، التي عرفت بدورها انتشاراً عالمياً مماثلاً لما عرفته «يا الرايح».
توالت بعد ذلك ألبومات رشيد طه التي عرفت نجاحات متفاوتة، لكنها حافظت على الدوام على نفسها التجريبي المجدد وقدرتها على الإبهار والمفاجأة. وكان آخرها ألبوم Zoom، الذي صدر عام 2013، و كان آخر عمل قدّمه رشيد طه، وتضمن تحفة مبهرة تمثلت في رائعة «أبو نواس» الشهيرة: ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر/ ولا تسقني سراً اذا أمكن الجهر، التي لحنها رشيد طه وأداها على إيقاعات الروك!
وكان رشيد قد توارى عن الأنظار بسبب متاعب صحية لم يشأ الإفصاح عنها. ولم يخرج عن عزلته سوى نادراً. إذ شارك في حفلة أقيمت في «معهد العالم العربي» في باريس، العام الماضي، احتفاءً بفن «الشعبي» الجزائري. وفي مطلع الشهر الحالي، ظهر في برنامج موسيقي فرنسي، معلناً أنّه انتهى من تسجيل ألبوم جديد يحمل عنوان «أنا إفريقي» يرتقب أن يصدر في مطلع 2019.