لطالما علت الصرخة المنددة بالتغطية الإعلامية عند وقوع كل انفجار. ولطالما توجّهت الأصابع نحو الشاشات ومراسليها بسبب خطأ فادح في توصيف المجريات على الأرض، أو اختراق المعايير المهنية والإنسانية. خلال السنوات الأخيرة، شهدت معضلة «الإعلام والأزمات» أسوأ مراحلها.
في الأشهر الماضية تحديداً، حظيت تغطية وسائل الإعلام اللبنانية للتفجيرات التي وقعت في مناطق عدة من الضاحية إلى ستاركو وطرابلس بـ«حصة الأسد» من الأخطاء والتجاوزات التي كانت محطّ انتقاد الجميع، مشاهدين واختصاصيين: صور أشلاء مرمية على الطريق مع «زوم» إضافي عليها لضعفاء النظر من المشاهدين، إلى الإعلان العشوائي عن الأسماء المفترضة للجرحى والشهداء التي خاب بعضها وصدق الآخر... كل ذلك من أجل «سكوب» صحافي. ويبدو أنّ عاصفة الانتقادات التي قوبل بها أداء وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة لم تذهب سدى، فالأداء الإعلامي في تفجير أمس شهد تحوّلاً انعكس جلياً على الشاشة.
هكذا، غيّرت القنوات المحلية بعضاً من ملامحها القاسية المعتادة في نقل الحدث، فبدت «ألطف» بمصطلحات أكثر تهذيباً. بقيت الجثث متوارية عن أعين المشاهدين، وبقي الجرحى في منأى عن فضول الكاميرا. لم تتصارع العدسات في ما بينها على صور الأشلاء، ولم نضطر إلى حجب النظر وإلقاء اللعنة على الإعلام ووسائله. مرّ الموت بهدوء نسبي هذه المرة. أيضاً، بدا هناك تحوّل في تغطية القنوات لناحية الإعلان العشوائي عن أسماء الأشخاص الذين يفترض أنهم شهداء أو جرحى. حرصت القنوات ومراسلوها في المستشفيات على عدم ذكر الأسماء الأولية، والتريث ريثما تعدّ لوائح أكيدة لأسماء الشهداء والجرحى. لم تتطاير الأسماء يميناً ويساراً، بل بقيت ضمن إطار السرية الطبية لغاية التأكد منها، وبالتالي لم يصدم أحد من المشاهدين بقراءة اسم قريب له أو ابنه في عداد الضحايا. من ناحية التغطية الكلامية والتعليقات، يمكن القول إنّ التريث والتأني في نقل الخبر انعكسا تلقائياً على انتقاء المصطلحات والتمييز بينها، كـ«شهداء وقتلى»، إضافة إلى الأخطاء اللغوية التي تقلّصت أمس بعدما كانت تبلغ ذروتها في حالات مماثلة.
إذاً، لطالما تحولت تغطية وسائل الإعلام اللبنانية للانفجارات إلى «أزمات» حقيقية، ورقصت بها لساعات على أجساد الضحايا. كثيرة كانت الأخطاء الإعلامية التي تمس إنسانية الحدث، وما زالت. لكن، تجاوباً ربما مع النقد الذي تعرّضت له هذه المحطّات، شهدت تغطيتها توازناً ملحوظاً، حفاظاً على مهنية ترتجف، وعلى مجتمع ينزف. بدل أن يرحل الشهداء وسط ضوضاء الأخطاء والاستثمارات الإعلامية من كل نوع، ها هم يفارقون الحياة بهدوء وقدسية.




كفانا استنكاراً

دار نقاش أمس على مواقع التواصل الاجتماعي انصبّ حول ضرورة أن تتخلى المحطات اللبنانية عن برامج الـ «توك شو» التي بات التحريض طبقها الرئيسي ومادتها المفضلة، والاستعاضة عنها ببرامج توعوية واجتماعية تركّز على التحذير من الفكر التكفيري والتعريف به. أيضاً، كان لافتاً أمس امتناع موقع «سلاب نيوز» عن نشر بيانات الاستنكار التي يرسلها عادةً السياسيون كلما وقع تفجير ارهابي. مدير تحرير الموقع جمال شعيب شرح هذا القرار، واصفاً هذه البيانات بـ «الفارغة التي لا تعمل سوى على استفزاز الناس». في المقابل، قرّرت قناة lbci تأجيل برنامج جو معلوف الجديد «حكي جالس» الذي كان مقرراً عرضه أمس إلى الثلاثاء المقبل.