في رسمه «أنا إنسان مش تمساح» (متوافر على الموقع)، يصوّر الفنان سمير الخليلي تدّرج حالة المشاهد أمام الفظائع التي تعرضها الشاشات من التعاطف، وصولاً الى تحوّله إلى تمساح بليد منزوع المشاعر! هذا ما ينطبق على المشاهد اللبناني الذي أصابته «التمسحة» مع تكرار مسلسل الإرهاب الذي يضرب المناطق، آخرها حارة حريك أمس، ومعه مشاهد الأشلاء المتناثرة على الشاشات (ولو أنّها كانت أخفّ هذه المرة) وأنين أهالي الضحايا. كل هذا مقروناً باجترار الخطاب والاستراتيجيات ذاتها التي تتبناها وسائل الإعلام المحلية والفضائية في مقاربة الحدث وتسييسه، فأُفرغت هذه المنابر من مهماتها الأساسية.
المشاهد عينها من مكان التفجير تُسقط تلقائياً على الشاشات، تسّطَح وتجيَّر تبعاً لسياسة كل شاشة: معلومات متضاربة، فتح الهواء للسياسيين ولاستنكاراتهم الكاذبة، محللون بالدزينة يبررون فعلة الجاني أو يعبئون الهواء هباءً، ووجوه صحافية معارضة لـ «حزب الله» تتبادلها قنوات محددة لتدلي بحقدها وببرودتها فوق الدماء الساخنة.
صحيح أنّ «المنار» كانت سباقة أمس إلى نقل الصور الحيّة من الشارع العريض في حارة حريك، فنقلتها كل القنوات عنها، لكنّ هذه الأفضلية تقف هنا. في اللحظات الأولى من الانفجار، اكتفت قناة المقاومة بخطاب تعبوي خالٍ من أي معلومة، فيما كانت الصورة نفسها التي استعارتها «الجديد»، مدعومةً بمعلومات سريعة زوّدتها بها مراسلة القناة نانسي السبع على الأرض. كعادتها، لم تكن «المستقبل» معنية كثيراً بما يجري ولا بالسبق الصحافي مثلاً. كأنّ مذيعتها (لم يظهر وجهها) كانت تجلس على كنبة وثيرة. صوتها تناهى رخيماً ومسترخياً و«حنوناً» يذكّر بصوت مقدّمات البرامج الإذاعية الصباحية، لكن مع تكرار الخطأ عينه: لقد سقط أكثر من عشرين «شهيداً» في التفجير بدلاً من «جرحى»! طبعاً، لم تنزل القناة إلى الميدان، بل استعارت صور «المنار» و«الميادين»، وآثرت مهاتفة السياسيين وتحديداً نواب التيار الأزرق الذين ـ وكالعادة أيضاً ــ راحوا يبررون الجريمة ويتهمون «حزب الله» باستيراد الجحيم السورية.
نجوم الأمس من «محللين» و«سياسيين» كانوا علي الأمين، والنائب السابق مصطفى علوش ولقمان سليم... تسابقت «العربية» و«المستقبل» على تبادلهم، والوقوف عند تحليلاتهم وهجومهم على «حزب الله» والإشفاق على «الطائفة الشيعية المختطفة والمخطوفة». لم نسمع أي ردّ من المذيعة التي تتلقى مكالماتهم، ولو «دغدغة بسيطة» من «باب رفع العتب» أو الحفاظ على «المهنية» أو إضفاء القليل من «الإثارة». صدّقوا أو لا تصدّقوا، «الجزيرة» فعلتها! استقبلت القناة القطرية اتصالات بعض «النجوم» المذكورين، لكن ردت عليهم بتصريح وليد جنبلاط السابق لها. ذكّرتهم بأنّ «حزب الله ليس الفريق الوحيد الذي يقاتل في سوريا»، وسألتهم عن سبب استبعاد اليد الاسرائيلية في التفجير. في دوامة الخراب، خذوا الحكمة من فاه وليد جنبلاط (ولو أنّ «صحوته» كانت متأخّرة): أطل على «الجزيرة» قبل أن تتناقل القنوات الأخرى تصريحه: «لقد دخلنا في حلقة جنونية... وعناصر تكفيرية بدأت تستفحل إرهاباً»!

يمكنكم متابعة زينب حاوي عبر تويتر | @HawiZeinab