يبدو أنّ السوري صار مسؤولاً عن كلّ مصيبة وتفاهة على هذا الكوكب، بما في ذلك ذوبان الثلوج في القطب الشمالي. تقع اعتداءات وتحرّش بنساء في كولونيا الألمانية ليلة رأس السنة، فيقفز اتهام اللاجئين السوريين قبل التحقق من ذلك. تنسحب الحادثة المؤسفة على الطفل/ الأيقونة إيلان الكردي الذي لم يسلم من صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة (الأخبار 15/1/2016). سؤال وقح تحت صورة الطفل الغريق: «ماذا كان سيصبح إيلان لو أنه كبر؟»، ليأتي الجواب: «محباً لِلَمس مؤخرات النساء في ألمانيا».
التنافس الأزلي بين نجمَي كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسّي والبرتغالي كريستيانو رونالدو، بات فرصةً لتفريغ النزعات العنصريّة الصادمة. قام البعض بتخريب تمثال رونالدو في مسقط رأسه «فونشال»، عاصمة جزيرة «ماديرا»، بعد ساعات من تتويج غريمه «ليو» بالكرة الذهبية. المخرّبون عمدوا إلى طلاء التمثال البرونزي بالأحمر، وكتابة اسم «ميسّي» مع رقم 10 كبير على الظهر. انتشر الخبر سريعاً، ليأتي تعليق شقيقة رونالدو «كاتيا أفيرو» العنصري على «تويتر»: «من قام بهذا التصرف لا يستحق العيش في جزيرتنا الجميلة «ماديرا»، وعليه أن يذهب إلى سوريا للعيش هناك مع من لا يحترم الحياة». المغنية البرتغالية وصفت ما حصل بالـ«مخزي والمقزّز»، معتبرةً أنّ المخرّبين يعانون الغيرة من شقيقها». هكذا، أخرجت أفيرو الحادثة من إطار التعصّب الرياضي المعروف منذ نشأة كرة القدم، إلى استثمار شمّاعة مشاكل كوكب الأرض في العصر الحديث: الحرب السوريّة.
نشرت كاتيا أفيرو تغريدة عنصرية تعليقاً على تخريب تمثال شقيقها

هذه المرّة لم يصمت السوريون. الصحافي الرياضي قتيبة الرفاعي قرّر إيصال صوت أهل بلده من خلال نفس السلاح: الميديا. فيديو بسيط (1:18 د.) يحمل رسالةً إسبانية مترجمةً إلى العربيّة بصوت الرفاعي نفسه، بعنوان «شكراً كاتيا أفيرو». «إنّها رسالة من سوريا. من البلد الذي اعتاد إيمليلو بوتراغينيو، من بين آخرين كثر، زيارته كل سنة تقريباً. رسالة من شعب عاشق للحياة والسلام... وكرة القدم». يبدأ الرفاعي رسالته إلى أفيرو، ذاكراً لاعب ريال مدريد الشهير بوتراغينيو، الذي اعتاد زيارة دمشق وقضاء أيام وسط آثار تدمر. يلي ذلك مشاهد لمنتخب ناشئي سوريا في كرة القدم الذي يصفه الرفاعي بـ«جيل حربنا البغيضة. جيل رغم كل المعاناة والموت الذي نعيشه يومياً، أمام أنظار العالم المتحضّر الذي تنتمين إليه، تمكّن من التأهل إلى كأس العالم للناشئين في تشيلي العام الماضي. شيء لم يتمكّن بلدكِ البرتغال أو إسبانيا، حيث يلعب شقيقك... من تحقيقه». في النهاية: «من قلب الحرب، حيث يستحق أن يعيش حسب وصفك «أولئك الهمج».. من سوريا، أمّ الحضارات كلّها في العالم أجمع: شكراً كاتيا أفيرو». بذكاء، يستغل الرفاعي الرياضة الأكثر شعبيةً لمخاطبة كل العالم، بعيداً عن الشعارات والخطابيات الفارغة.
الرسالة حققت شيئاً، بعد انتشارها السريع على السوشال ميديا. «كاتيا» عادت لتعتذر ممّن يعيشون في الحرب وأحزانها، مؤكدةً أنّها لم تقصد الإساءة أو التعميم. في حديثه إلى «الأخبار»، يرى قتيبة الرفاعي أنّها «توضيحات لم تكن كافية لنشعر بأسفها. لقد كانت آسفة على الهجوم الذي تعرّضت له وعلى تمثال أخيها، أكثر من أسفها لما صرّحت به. هذا واضح في كل البيانات التي نشرتها، سواء على مدوّنتها الخاصة أو على حسابها الرسمي على تويتر». الرفاعي الذي يُعرَف بلقب «أبو عبدو الحيادي» على مواقع التواصل الاجتماعي، انطلق من مبدأ أنّنا قادرون على لفت انتباه من نريد، وإيصال وجهة نظرنا «لكل ما يمكن أن يمت بصلة لصاحبة التصريحات وكريستيانو رونالدو وناديه كذلك». يقول قتيبة: «فكرتُ بدايةً بكتابة رسالة أو بيان على صفحات التواصل الاجتماعي، والطلب من الجمهور تسجيل موقفه بتعليق أو ما شابه، لكنّي لم أشعر بأنّه كافٍ، فقررت إعداد تقرير باللغة الإسبانية مع ترجمة إلى العربية ونشره وإرساله إلى كل الصحف الإسبانية والبرتغالية، وهذا ما تمَّ بالفعل. تجاوُب السوريين كان كبيراً جداً، لدرجة أنّ صوتنا وصل بالفعل إلى صاحبة التصريح المشين». في النهاية، لم يكن أمام كاتيا أفيرو سوى الاعتذار.