بسرعة فائقة، انتزعت «نتفليكس» لنفسها مكانة كبيرة في عالم مشاهدة المحتوى عبر تقنية الـ «سترينيميغ» (البثّ عبر التدفّق الإلكتروني)، وتحوّلت إلى «كابوس» بالنسبة إلى صنّاع الترفيه وسوق الإعلانات التلفزيونية، كذلك فرضت نفسها منافساً في مجال السينما على الرغم من الانتقادات. لكن هل ستستطيع الشبكة الأميركية الرائدة في مجال إنتاج المحتوى الترفيهي وبثّه، الاحتفاظ بعرشها؟سؤال يُطرح بكثرة هذه الأيام، بعد نشر أرقام رسمية تتعلّق بعائداتها وبأعداد المشتركين فيها.
(جوش هولنتاتي ــ الولايات المتحدة)

سجّل شهر تموز (يوليو) الماضي مفاجأتَيْن على صعيد مشاهدة المحتوى بواسطة الـ «سترينيميغ». الأولى، كانت في بريطانيا حيث أعلنت «هيئة تنظيم شؤون البث الإذاعي والتلفزيوني» (Ofcom) أنّ عدد مشاهدي البرامج والمسلسلات عبر «نتفليكس» و«برايم فيديو» (أمازون) وغيرهما من المنصات الخاصة بمشاهدة الفيديو حسب الطلب (Video on Demand) يفوق أولئك الذين يلجأون إلى وسائل المشاهدة التقليدية (كالأقمار الصناعية والكابل). ثم خلصت الجهة المنظِّمة في نهاية تقريرها المطوّل إلى أنّ هذه الشبكات صارت رسمياً «أكثر شعبية من الـ Pay-TV (التلفزيون المدفوع)»، مسجّلة سابقةً في تاريخ البلاد. إذ بلغ عدد المشتركين في هذه الخدمات في الربع الأوّل من العام الحالي 15.4 مليون شخص.
هنا، لفتت Ofcom إلى أنّ هذه النتيجة تحققت رغم تكثيف الاستثمارات في وسائل البثّ التقليدية لإبقائها في مقدّمة السباق، مثنية على اهتمام «نتفليكس» و«أمازون» الكبير بابتكار «مضامين أصلية كمفتاح للنمو والوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الزبائن». ويأتي ذلك بعدما كشفت «رابطة صناعة التسجيلات الأميركية» (RIAA) في آذار (مارس) 2017 عن أنّ الاستماع إلى الموسيقى عبر الـ «ستريمينغ» سجّل سابقة في تاريخ البلاد مع تحقيقه «العائدات الأكبر في الولايات المتحدة خلال عام 2016».
لكن على الرغم من الأرقام غير المتوقّعة على صعيد المشاهدة في المملكة المتحدة، والمكانة الكبيرة التي استطاعت منصات الـ «ستريمينغ» تحقيقها حول العالم (خصوصاً أميركياً وأوروبياً) خلال السنوات القليلة الماضية، دقّ مراقبون أخيراً ناقوس الخطر إثر نشر تقارير رسمية مرتبطة بـ «نتفليكس»، شكّلت في حدّ ذاتها مفاجأة ثانية.
لقد حمل الأسبوع الثاني من شهر تموز (يوليو) الماضي أخباراً سيّئة بالنسبة إلى الشبكة الأميركية مع فشلها في بلوغ العدد المتوقّع (والمفترض) من المشتركين، بفارق مليون اشتراك. وفور انتشار هذه النتائج، بدأت الشكوك تراود المستثمرين في نموذج العمل الذي تتبعه الشبكة التي حققت في 2017 أرباحاً صافية تقدّر بـ 559 مليون دولار أميركي. هكذا، راح رجال الأعمال المولعين بالمنصة والصحافيون المتخصصون يتباحثون في التحديات التي تواجهها Netflix ويتعيّن التغلّب عليها إذا ما أرادوا الحفاظ على قيمتها البالغة 165 ملياراً.

نمو الاشتراكات
حالما انتشر مضمون التقرير المذكور في 16 تموز، تراجعت أسهم «نتفليكس» بنسبة 14 في المئة. مع أنّ صحيفة الـ «غارديان» البريطانية تلفت في هذا السياق إلى أنّ الشركة استطاعت في النهاية ضم 5.2 ملايين اشتراك جديد إلى الـ 130 مليوناً الموجودة أصلاً، وهو ما لا يجب التعامل معه ككارثة! لكن المشكلة الأساسية أنّ مواصلة النمو بالنسبة إلى شركة بهذا الحجم ترتبط أساساً بضمان معدّل تطوّر مستقرّ. «المشكلة الأساسية بالنسبة إلى Netflix متابعة الانتشار حول العالم في ظل حالة الإشباع التي تعيشها الدول الغربية الجوهرية»، يقول ريتشارد بروتون، المحلل لدى شركة Ampere. ويضيف: «عليها العمل بجدّية أكثر من أي وقت مضى لجذب مشتركين جدد. لكن تدنّي قيمة الاشتراك الشهري (تراوح بين 7.99 و11.99 دولاراً أميركياً) يعني أنّها بحاجة إلى تحقيق نمو جبّار لتغطية تكلفة أعمالها الأصلية».

تراكم الديون
على صعيد آخر، لا تعني ضخامة الأرباح والإنتاجات أنّ «نتفليكس» لا تعاني. فمن المعلوم أنّ المنصة العملاقة التي تتخذ من كاليفورنيا مقرّاً لها تعيش صراعاً دائماً من أجل ردم الهوّة بين عائداتها وكلفة إنتاج المضمون الآخذة بالارتفاع بوتيرة مذهلة. فبعدما كانت 300 مليون دولار في آذار (مارس) 2016، بلغت قيمة ديونها تسعة مليارات في الربع الثاني من العام الحالي، في مقابل توقعات بأن تصل الأرباح الصافية في نهاية 2018 إلى مليار دولار! أما المبلغ الذي يُنفق على إنتاج المضمون والترويج وغيرهما من التكاليف، فيفوق عائدات الاشتراكات (16 مليار دولار) بثلاثة مليارات على الأقل.

المنافسة حامية
في المراحل الأولى من بناء إمبراطوريّتها، استطاعت «نتفليكس» الاستحواذ على حقوق عرض مروحة واسعة ومنوّعة من أبرز المواد التلفزيونية بأثمان زهيدة، في ظل شبه غياب للمنافسة، ما أكسبها مكتبة مثيرة وجذّابة لهواة الدراما والفن السابع. لكن اليوم، مع اتضاح فائدة ما تفعله الشبكة على مختلف الأصعدة، صار بعض الشركاء يرون في هذه الاستراتيجية تهديداً لطموحاتهم، وبالتالي ينسحبون من اتفاقات كهذه. هذا ما فعلته «ديزني» العام الماضي على سبيل المثال حين استعادت إنتاجاتها من «نتفليكس»، على رأسها أفلام «مارفل» عن الأبطال الخارقين، وسلسلة شرائط «حرب النجوم»، وToy Story (بيكسار)، فضلاً عن شرائط أنيمايشن ناجحة جداً، منها: Frozen و«الجميلة والوحش»، وذلك استعداداً لإطلاق منصّتها الخاصة. فضلاً عن زيادة شعبية جهات أخرى تقدّم خدمات الـ «ستريمينغ» والـ VOD، أبرزها «أمازون»، و«آبل»، وHulu، وHBO التي باتت تشتهر بخدماتها وإنتاجاتها الأصلية الخاصة أيضاً.
بلغت قيمة ديون المنصة الأميركية تسعة مليارات دولار في الربع الثاني من العام الحالي


وتجدر الإشارة إلى أنّ Ampere نشرت في بداية الشهر الماضي دراسة تفيد بأنّ كلّاً من المنازل الأميركية المهتمة بخدمات الفيديو عند الطلب صار لديه اشتراك بمعدّل خدمتين شهرياً على الأقل. وأوضحت كذلك أنّه على الرغم من أنّ سيطرة «نتفليكس» العالمية غير قابلة للنقاش، إلا أنّه بالنسبة إلى كثيرين الحصول على خدمة ستريمينغ واحدة لم يعد كافياً.

مشتركون في ربيع العمر
صحيح أنّ Neftlix تبلي بلاءً حسناً مع المشاهدين اليافعين، إلا أنّ سرعة تبدّل عادات المشاهدة لدى هؤلاء كبيرة جداً. مثلاً، قبل فترة ليست بعيدة، كشفت «هيئة الإذاعة البريطانية» أنّ الشباب البريطاني الذين تراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً يمضون وقتاً أكثر على الشبكة الأميركية خلال الأسبوع، مقارنةً بكل قنوات «بي. بي. سي» التلفزيونية، بما فيها BBC iPlayer. لكن مع أنّ شعبية «نتفليكس» في أوساط الشباب كبيرة بسبب مسلسلات على شاكلة Stranger Things وThirteen Reasons Why وغيرهما، شدّدت BBC على أنّ 80 في المئة من الأولاد يفضّلون «يوتيوب». نتيجة توصّلت إليها كذلك «هيئة تنظيم شؤون البث الإذاعي والتلفزيوني» في تقرير قالت فيه إنّ غالبية الأشخاص بين 16 و34 عاماً بات لا يستهويهم التلفزيون، فيما يتصدّر «يوتيوب» (مملوك لـ «غوغل») قائمة المنصات التي يستخدمونها للمشاهدة. من دون أن ننسى أن موقعَيْ «إنستغرام» و«سناب تشاب» يستحوذان على قدر لا بأس به من اهتمام الصغار.

الانتقال إلى الرياضة والأخبار
كما ذكرنا آنفاً، بات من المؤكد أنّ عدد مشاهدي «نتفليكس» وزميلاتها في بريطانيا يفوق أولئك الذين يلجأون إلى وسائل المشاهدة التقليدية. لكن هذا لا يعني أنّ هؤلاء يستغنون عن اشتراكات التلفزيون المدفوع الباهظة الثمن. السبب الأساسي أنّ المضمون الذي توفّره شديد التنوّع. في هذا الإطار، يؤكّد المحلّل تيم موليغان من MIDiA Research أنّ على الشبكة الأميركية إنتاج محتوى أكثر تطوّراً وشمولية (أخبار ورياضة مثلاً) وغير محصور بجانب معيّن، لتصبح خدمة «لا يمكن الاستغناء عنها». ويرى موليغان أنّ خطوة كهذه تبرّر «رفع الأسعار في المستقبل»، وتفيد Netflix في مكامن عدّة.