القاهرة | قبل وفاتها نهاية الأسبوع الماضي عن عمر يقترب من السبعين، قضت الراقصة والممثلة هياتم (1950 ـــ 2018) سنوات في أداء أدوار ثانوية صغيرة في بعض الأفلام والمسلسلات التلفزيونية لا علاقة لها بصورتها القديمة كواحدة من أشهر نجمات الإغراء في تاريخ السينما المصرية. هذه الصورة الجديدة تحمل ملامح سيدة ستينية محتشمة ومتدينة ومريضة، عززتها هياتم بتصريحاتها الإعلامية وكللتها بوصيتها الأخيرة بعدم إعلان خبر موتها إلا بعد دفنها وعدم إقامة عزاء لها، وغيرها من الأخبار التي تداولتها الصحف والـ«سوشال ميديا» بشكل يوحي باحتضان الإعلام والمجتمع لصورة هياتم الثانية. كما لو كان من أجل تحقيق نوع من التصالح مع صورتها الأولى كأنثى غاوية «فتاكة» femme fatale.
جسدت مقاييس الأنوثة العربية القديمة، حيث الجمال يقاس بقدر ما يحتوي جسد المرأة من دهون وتضاريس عملاقة

ربما لا يعرف جمهور اليوم مدى الأثر الذي صنعته هياتم خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. أثر تجاوز قاعات العرض السينمائي ليطال مجالات الحياة الأخرى. أصبح اسمها رمزاً لنوع «مبتذل» ورديء من الأفلام، أطلق عليه «سينما المقاولات». كذلك اقترن اسم هياتم بثقافة شعبية «متدنية» وذوق ينفر منه أصحاب الحس البورجوازي، كما اقترن اسمها بطبقة «الانفتاح الاقتصادي» من تجار صنعوا ثرواتهم بطرق غير مشروعة، ومن فئات شعبية ظلت محرومة من تمثيلها تمثيلاً صادقاً على الشاشة والمسرح والأغنية.
مثلت هياتم ببدانتها الملحوظة ووجهها المكتنز المدور وقمصان نومها فاقعة الاحمرار ذوق هذه الفئات، حتى أصبح اسمها علماً ووصفاً يطلق على بعض البضائع، مثل الحشيش وقمصان النوم أو كما حدث عندما أطلق اسمها على «موديل» جديد من سيارات «مرسيديس»، تشبه تضاريس السيارة فيه تضاريس جسدها!
على الشاشة، جسدت هياتم أيضاً حلم جمهور السبعينيات والثمانينيات «الشعبي»، الذي يتشكل معظمه من تجار وحرفيين وعائدين من الخليج ومراهقين من الأحياء الفقيرة. هؤلاء الذين صنعوا نجاح «نجمة الجماهير» نادية الجندي خلال الفترة نفسها تقريباً، في تحدٍّ سافر لنجمات مثل سعاد حسني، ونبيلة عبيد، وبوسي، ومديحة كامل، ونجلاء فتحي وميرفت أمين. لكن هياتم اختلفت عن نادية الجندي في نقطتين: الأولى أنها أكثر «نعومة»، وبالتالي أكثر جاذبية وإغراءً. والثانية أنها أكثر ضعفاً، بملامحها «الطيبة» وجسدها المكور على عكس نادية الجندي ذات الملامح الحادة والجسد الرياضي.


أيضاً، لم تصل هياتم إلى البطولة إلا قليلاً. بقيت دائماً في دور الغاوية منافسة البطلة الرئيسية على حب البطل، كما نجد في أشهر أفلامها «غريب في بيتي» (1982) الذي نافست فيه سعاد حسني على قلب نور الشريف، لاعب كرة القدم الريفي الساذج، «شحاتة أبو كف»… أو كانت بطلة مشاركة في بعض الأفلام الكوميدية الخفيفة، مع نجم كوميدي أو أكثر من نجوم «أفلام المقاولات».
الآن قد يبدو غريباً ومثيراً للدهشة أن تعتبر هياتم رمزاً جنسياً، وهو أمر غريب ومثير للدهشة بمقاييس السبعينيات والثمانينيات أيضاً، على المستوى العالمي الذي أصبحت فيه النحافة والرشاقة من أهم مقاييس جمال المرأة، وأيضاً على المستوى المحلي في ما يتعلق بتيار السينما المصرية الرئيسي. لكن هياتم، مع أسماء مثل نادية الجندي في السينما، وأحمد عدوية في الغناء، كانوا يعبرون عن جمهور آخر مختلف الذوق، ينفر من البورجوازية وثقافتها ومقاييسها الفنية والجنسية.
هياتم هي أيضاً تجسيد لمقاييس الأنوثة العربية القديمة، التي كان يقاس فيها الجمال بقدر ما يحتوي جسد المرأة من دهون وتضاريس عملاقة. حتى بمقاييس النصف الأول من القرن العشرين في مصر، يمكن اعتبار هياتم امرأة شديدة الجمال والجاذبية. ومن يقرأ ثلاثية نجيب محفوظ، يجد أنه يتغنى بجمال وجاذبية نساء يشبهن هياتم إلى حد كبير. وجوه دائرية وبدانة ملحوظة ومؤخرات عملاقة! ومن الطريف أن ثلاثية محفوظ السينمائية التي أخرجها حسن الإمام، تضم جميلات بمقاييس الستينيات والسبعينيات التي تم خلالها إنتاج الأفلام وليس بمقاييس الزمن الذي تدور فيه الأحداث!
بقيت دوماً في دور الغاوية منافسة البطلة الرئيسية على حب البطل


مثل كثيرات، بدأت هياتم حياتها الفنية كراقصة قبل أن تتجه إلى التمثيل. وعلى عكس راقصات مثل تحية كاريوكا أو لوسي أو دينا، لم تستطع هياتم أن تقدم دوراً تمثيلياً واحداً يقول إنها ممثلة جيدة، وهي أيضاً لم تستخدم مساحات عري كبيرة من جسدها لصنع الإغراء، كما فعلت ناهد شريف أو حتى سعاد حسني وميرفت أمين وشمس البارودي وسهير رمزي. لكنها كانت تمتلك موهبة بسيطة لا تضاهيها فيها أي نجمة: عندما تستدير بجسدها الهائل لتتوجه نحو البطل، أو الكاميرا، بابتسامتها الآسرة، وإطلالة صدرها العارم، وتتحدث بغنج ودلال «بلدي» وغريزي تماماً، يفقد البطل وجمهور الرجال صوابهم ويقعون في شباك الشهوة على الفور.
هذه الموهبة وحدها كانت تكفي لتعوض أي نقاط نقص أو ضعف في أداء هياتم. ومن ناحيتها، لم تحاول هي أن تدعي أنها ممثلة ذات قدرات أو أنها تحمل أكثر من وجه المرأة الغاوية. بشكل عام، يبدو أن هياتم كانت شخصية «طيبة» حقاً، غير قادرة على الادعاء بما ليس فيها. لعل ذلك سبب عدم انضمامها إلى طابور «المنقبات والمحجبات المعتزلات»، وأيضاً سبب استمرارها وحبّ الجمهور لها، حتى بعد تخطيها الخمسين والستين.