تزامناً مع انطلاق أعمال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي، أراد الحريريون إعادة إحياء وتنشيط مصطلح «الحقيقة» في أذهان جماهيرهم، بعدما كانت السنوات التسع الماضية قد خفتت من وهج هذا المصطلح؛ فكان موقع تويتر هو الحل. هكذا، أطلقت مجموعة من الإعلاميين المؤيدين والمنادين باسم «التيار الأزرق» أمس «هاشتاغ» «هنا_رفيق_الحريري» بالتعاون مع مناصرين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة منهم لإنعاش الذكرى بين أوساط الناس.
وبعدما كان مصطلح «الحقيقة» يحظى بانتشار واسع متحولاً إلى «لازمة» يرددها السياسيون الزرق والمناصرون في آنٍ واحد، ها هو مصطلح جديد يولد على الشبكة: «هنا_رفيق_الحريري». وعلى مبدأ «ستة وستة مكرر»، أراد مُطلق هذا المصطلح اللعب على أوتار العاطفة لدى المتابعين، وكسب الرواج والتعاطف نفسه، فكما كان للضاحية وطرابلس مصطلحات رديفة، كـ«من طرابلس، هنا الضاحية» وغيرها، كان للحريري أيضاً. تصدرت هذه العبارة صفحات المواقع الاجتماعية، إضافة إلى صورة الشهيد رفيق الحريري قبيل اغتياله.
صحيح أنّ هذا المصطلح خضع في الشكل والظاهر لقواعد لعبة حرية الرأي والتعبير، إلا أنّه في المضمون تحول إلى حفلة شتائم واتهامات وتحريض على تويتر. على سبيل المثال، أُنشئت صفحة تحمل اسم «هنا رفيق الحريري» طالبت بـ«وقف ما سمته جرائم ميليشيا «حزب الله»»، فضلاً عن سيل التعليقات التي وجّهت أصابع الاتهام إلى أطراف لبنانية بقتل الحريري، وتوعّدتها بالثأر وبـ «الآتي الأعظم». سريعاً، تحوّل المصطلح من كلمات تعبر عن «افتقاد الحريري وإحياءً لذكراه»، إلى فرصة مناسبة لكيل السباب والشتائم لأطراف لبنانية محددة.
وبين «هنا رفيق الحريري»، و«زمن العدالة»، الجملتين التي تترددان بكثرة حالياً على تويتر، والمتناغمتين مع التصريحات السياسية من بيروت ولاهاي في ظل جلسات المحكمة، ضاع ذكر شهداء انفجار الهرمل. لم يجد هؤلاء الشهداء لأنفسهم مكاناً بين زحمة الرشق السياسي وغبار المحكمة. وعلى غير العادة، مرّ خبر الاستشهاد مرور الكرام، فيما تصدر الحدث السياسي واجهة مواقع التواصل. أدى تزامن الانفجار الذي وقع في ساحة السرايا الحكومية في منطقة الهرمل، مع انطلاق جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إلى كشف عورة مواقع التواصل الاجتماعي ومتتبعيها، إذ إن الشهداء الذين لطالما ذُكروا وتحولوا إلى رموز افتراضية، سرعان ما جرى ركنهم على الرفّ بعد تزامن رحيلهم مع «مشاحنات السياسة». وعلى مبدأ «شهيد بسمنة وشهيد بزيت»، رحل شهداء الهرمل بصمت، فيما أعيد إحياء ضوضاء انفجاء الـ«سان جورج» في سبيل الدعاية والسياسة.