لندن | نجحت صالة فنيّة إسرائيليّة في تل أبيب لم يسمع بها أحد من قبل، في إثارة عاصفة من الاستهجان بين المعنيين بالثقافة والفنون عبر العالم. منذ 12 تموز (يوليو) الحالي، افتتحت الصالة معرضاً تُقدّم فيه عبر الفيديو أعمالاً لستة مبدعين عرباً معاصرين تجاهلوا الدّعوات أو رفضوا صراحة مشاركة أعمالهم في ما اعتبروه تطبيعاً ثقافيّاً مع الكيان الاستيطاني الإسرائيلي. فعل يطرح بشدّة مسألة حفظ حقوق الأعمال الفنيّة والثقافيّة التي أوهمنا الغرب لفترة مديدة بأنها مصونة – كما الملكيّة الخاصة – بأحكام القوانين الدّوليّة. «صالة 1:1» التي أرادت أن تعلن عن ولادتها في الشارع الفنيّ لمدينة تل أبيب بوصفها صالة معنية تحديداً بتقاطع الفنّي والسياسي من خلال تقديم عمل يستقطب فنانين عرباً، اضطرت بعد فشل محاولاتها في هذا الخصوص إلى التعدي على أعمال ستة من الفنانين العرب وعرضها متبجحة تحت عنوان «فن عربي مسروق».
المحاولة المبتذلة فسّرها مدير العرض بأنها «نوع من أداء فني بحد ذاته لأنها تطرح أسئلة عميقة عن إمكان عرض الأعمال الفنيّة من خلال القنوات الرسميّة في الوقت الذي لا تسمح فيه المناخات السياسيّة والقوانين وحملات المقاطعة بهامش واسع للحركة في هذا الشأن». واعتبر أنّ «الفن بحاجة إلى طريقة لكسر هذه الحواجز مع الجمهور، فكثير من الفنانين العرب والفلسطينيين يخشون عواقب المشاركة في عروض إسرائيليّة وينتجون أعمالهم في أجواء يحكمها الخوف» ملمحاً إلى أنّ بعض من عُرضت أعمالهم منحوا موافقتهم سرّاً للصالة!
البيان الرسمي الصادر عن الصالة بشأن العرض الذي تضمن أربعة أعمال فيديو لستة فنانين من دون ذكر أسمائهم أو موافقتهم على استخدام أعمالهم، قال إنه بمثابة «احتجاج فني على محاولات عزل إسرائيل عن محيطها في الشرق الأوسط». إشارة أخرى عميقة إلى فعاليّة أنشطة المقاطعة الثقافيّة والأكاديميّة لإسرائيل وأهميّة استمرارها كإحدى صيغ الحد الأدنى الممكن في المواجهة مع مشروع الاستيطان الغربي في قلب المشرق.
بعض الفنانين العرب (منهم فلسطينيون ومصريون ولبنانيون كوليد رعد ووائل شوقي) ممن «سرقت» أعمالهم، سارعوا إلى إدانة المعرض سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال تصريحات صحافيّة. وتحدث بعضهم عن مشاورات يجرونها مع مراجع قانونيّة بشأن مقاضاة «صالة 1:1» والقائمين عليها في محاكم عالميّة. هذه السرقة العلنيّة للأعمال الفنيّة العربيّة ليست بالطبع ظاهرة معزولة قام بها فنانون متمردون بقدر ما هي نتاج طبيعي لسياق تاريخي سيكولوجي متصل منذ مئة عام على الأقل. سياق يقوم على مبدأ سرقة حقوق الآخرين في التاريخ والجغرافيا والثقافة بكل تمظهراتها، بل الوجود نفسه لمصلحة مشروع استيطاني عنصري بغيض ديدنه إلغاء الآخر.
عرض أعمال لستة لبنانيين وفلسطينيين ومصريين رغماً عنهم


يظهر «فن عربي مسروق» أن هذا السيّاق ليس مقتصراً على القيادات السياسيّة والعسكريّة للكيان الإسرائيلي، وإنما هو نسق عام يتغلغل في قلب السيكولوجيّة العميقة لكل إسرائيلي كرّسته دوغما صناعة الهولوكست التي تبرر للشعب (المختار) حق ارتكاب المجازر والسرقات، ما دامت تأتي في إطار مواجهة التابو المتخيّل عن العداء للساميّة. «فن عربي مسروق» إدانة أخرى لمشروع استيطاني يقوم على أرض «وطن عربي مسروق».