«الكذب ليس فقط رذيلة عندما يسبّب سوءاً، إنه فضيلة عظيمة عندما يُسبّب خيراً». انطلاقاً من هذه المقولة لفولتير، كتب الفرنسي فلوريان زيلير (1979) مسرحية «الحقيقة» (2011)، معيداً الاشتغال على رائعة هارولد بنتر «الخيانة» (1978). أمّا وقد قرّر المخرج السوري الشاب جميل ارشيد تغيير عنوان المسرحية إلى «تيكي كارديا» (مصطلح طبّي يُطلق على أحد أنواع الاضطراب الوظيفي الذي يصيب القلب)، فقد خلق منذ اللحظة الأولى قطيعةً بين المتلقي وبين الحاملِ الفكري لنصّ زيلير.
قطيعة كرّسها إغفالُ ذكر اسم الكاتب في البوستر الإعلاني للعمل الذي يعرض حالياً على «خشبة بابل»، وإغراق أداء الممثلين في المحلية السورية. المشاهدُ يجد نفسه حائراً أمام التناقض بين أسماء الشخصيات والأماكن الفرنسية التي أُبقيَت كما هي، وبين نمطيّة سلوك الشخوص على الخشبة. الممثلون ألقوا النكات بذهنية سورية، واستخدموا أغنياتٍ من التراث السوري، ليظهروا غريبين عن أجواء الحكاية التي يجسدونها. وهي حكاية صديقين، يرتبطُ كلٌّ منهما بعلاقةٍ سرّيةٍ مع زوجة الآخر، مرتكباً خيانةً ثلاثيّة الأبعاد: خيانة للزوجة، وأخرى للصديق، وثالثة _ أشدّ وطأةً _ للذّات.
يعتقد ميشال أنه أذكى من الجميع، ويدافع طوال الوقت عن الكذب الذي يتبناه منهجاً، لكنه يكتشف في النهاية أن الثلاثة الباقين كانوا يقومون بخداعه على امتداد زمن الحدث. ولعلّ إخفاق فريق العمل (إشراف عام مكسيم خليل) في القبض على الروح الفرنسية المفترضة للحكاية كان السبب الذي دفعَ بالمخرجِ إلى وضع صورة لبرج إيفل على أحد الجدران المؤطرة لمكان الحدث.
كأنّ كل تلك الأسماء والتفاصيل الفرنسية ليست كافيةً لإخبارنا بأنّ الحدث يدور في فرنسا. الاضطراب الذي وقع فيه أداء الممثلين جاءَ مكمّلاً لاضطرابٍ عام صبغ العرض، انطلاقاً من غياب منهجية واضحة للإخراج. على سبيل المثال، يضع لنا أرشيد في مشهدين ساعةً على الجدارِ ذات عقارب ثابتةً، ما يعني أننا أمام «صفر زمن»، ما يحيلُنا إلى مسرح العبث.
يعززُ ذلك اعتماد ممثله الرئيسي أويس مخللاتي (ميشال) على «الغروتيسك» في أدائه. لكنّ مشاهد أخرى بدت شديدة الإخلاص للمسرح الواقعي، أكان على صعيد الأدوات التي استخدمها الممثلون، أم على صعيد أسلوبية أدائهم. ويؤطّرُ كل ذلك في حيّزٍ مكانيٍّ شرطي في بعض الأحيان (مشهد ملعب التنس مثلاً). الطول النسبي لزمن العرض (1،45) شكّل عبئاً على ضابطه الإيقاعي، وخصوصاً مع إخفاق الممثلين في تقديم اشتغالٍ دقيقٍ على البعد النفسي للشخصيات، وهو ركنٌ أساسي في نص مماثل. جاء أداء أروى عمرين (لورنس)، وبتول محمد (أليس) خارجيّاً وباهتاً، وتأرجح أداء أويس مخللاتي بين مشهد وآخر، فيما تفوّق ميَّار أليكسان (بول) على الآخرين، وبدا أقربَ إلى روح الشخصيّة.




«تيكي كارديا»: 20:30 كل خميس، جمعة وسبت ـــ «مسرح بابل» (الحمرا ــ بيروت) ــ للاستعلام: 01/744033