«أغسطس: مقاطعة أوساج» (120 د) هو الشريط الروائي الثاني للأميركي جون ويلز (1956) بعد «رجال الشركة» (2010) الذي أدى بطولته بن أفلك. بعد عمله لسنوات في الإنتاج التلفزيوني، يقدم ويلز عملاً جريئاً باقتباسه مسرحية ترايسي ليتس (جائزة «بوليتزر») بالعنوان ذاته (أعاد ليتس كتابتها بإتقان للشاشة)، وباختياره نخبة من الممثلين المكرسين كميريل ستريب، وجوليا روبرتس، وسام شيبارد، وإيوان ماكغريغور. منذ المشهد الأول، نحن أمام بداية أشبه بالنهاية، عندما تطالعنا ميريل ستريب بدور شخصية فيوليت وهي تترنح بفعل الحبوب المخدرة وسخريتها الحادة التي يقابلها هدوء زوجها الغريب (سام شيبارد). بتجرّد تام، يسرد الزوج وقائع حياتهما الرهيبة وتفاصيل إصابة زوجته بالسرطان وإدمانها الحبوب، قبل أن يغادر المنزل لنكتشف لاحقاً أنه انتحر، لكن هذه ليست سوى البداية، التي ستأخذنا إلى جحيم عائلية من نوع آخر. بعد انتحار الأب، تعود الفتيات الثلاث باربرا (جوليا روبرتس)، وكارن (جولييت لويس)، وآيفي (جوليان نيكولسن) لزيارة أمهن فيوليت. تحمل كل واحدة منهن أزمتها الخاصة التي تتفاعل مع الأزمة الكبيرة (العائلة)، خالقة مزيجاً متفجراً من الروابط العائلية المضطربة والمعقدة.
كل مشهد هو قنبلة موقوتة لناحية حواراته المشغولة بدقة، التي تبني إيقاعاً من التوتر التصاعدي تتأزم فيه الشخصيات حين تحاول الهرب من واقعها أو تدميره كلياً. تجسد ستريب ببراعة شخصية فيوليت المتناقضة بقسوتها وسخريتها الهدامة، وبهشاشتها المفرطة وانهياراتها العصبية في آونة واحدة. جوليا روبرتس أيضاً تستحق التمثيل بجدارة إلى جانب ستريب في صراعها الشرس مع أمها، ومحاولة إنقاذها من إدمانها، فيما تواجه بدورها انهيار زواجها وفشل حياتها. يوظف ويلز هذا العمل المسرحي في رؤية سينمائية تستغل نقطة قوته الكامنة في حواراته وأداء ممثليه. يرينا الشخصيات المسجونة ضمن كادرات ثابتة تجسد سجنها العائلي، الذي هو في الحقيقة سجنها الداخلي، كلما حاولت التحرر منه، حاصرها أكثر، لكنه لا ينجح في بناء مشهدية تحاكي قوة هذا العمل الدرامي، وخاصةً في المشاهد الصامتة كما في مشهد النهاية، إثر رحيل باربرا. مشهد بدا مخيباً وسطحياً لعمل بهذه القوة الدرامية.



«أغسطس: مقاطعة أوساج»: في الصالات اللبنانية ابتداء من 16 كانون الثاني (يناير)