خلال ترحيله مع عائلته إلى فرنسا على متن بارجة عسكرية فرنسية إبّان عدوان تموز عام 2006، اكتشف فيليب عرقتنجي أنّها ليست المرة الأولى التي يترك فيها بلده هارباً من حرب. الخطوة نفسها قامت بها عائلة زوجته عام 1975، ووالده الآتي من سوريا وجدّته الآتية من انطاكيا ليجد أمامه سلسلة انتقالات ونزوح بسبب حرب أو تغيير سياسي.
قرّر المخرج جمع الخيوط ورسم خريطة انتقال أفراد هذه العائلة ومعرفة سبب هجرتها الدائمة، متسائلاً بذلك عن تاريخ مسيحيي الشرق ومصيرهم اليوم، في ظل ما يصيبهم في الشرق الأوسط. وأهمّ من ذلك، قرر التخلّص من ذاكرته الشخصية مع الحرب الأهلية التي أصبحت ثقيلة ورواية تجربته لأولاده. لذا، حضرت الحرب مجدداً في فيلم تسجيلي بعنوان «ميراث» (92 د ــ 2013 ــ الأخبار 16/12/2013) سيطرح في آذار (مارس) المقبل في الصالات اللبنانية.
المحور الأهمّ الذي أراد عرقتنجي معالجته هو قضية الانتماء، والهويّة واللغة، والرحيل والعودة. يجد فيليب نفسه أمام ماضٍ بعيد لعائلة اقتلعت من جذورها مراراً. صور عائلية، وأرشيف فيديو للعائلة، وأخبار وقصص تتشابه، ومقتنيات شخصية من ذكريات الطفولة وأرشيف نادر ولافت للبنان والمنطقة حصل عليه خلال تنفيذ الفيلم.
يبدأ فيليب بتركيب هذا الماضي أمام الكاميرا، فيلجأ مع زوجته ووالدته، وأولاده الثلاثة إلى لعب أدوار الآباء والأجداد لإكمال الحلقات الناقصة من القصّة، مضيفاً إليها صوراً ومشاهد من الأرشيف، فيمزج بينها ليحصل على الصورة ويستعيد الحكاية. يحاول أن يقصّ بعض الفصول من تاريخ المنطقة عبر تاريخ عائلته، إلا أنّ التاريخ في منطقتنا وجهة نظر وليس حقيقة دامغة، وخصوصاً في لبنان. يوضح المخرج هذا في السيناريو، قائلاً: «عادة ما يكتب المنتصر التاريخ»، فمن يكتبه في بلد اللاغالب ولا مغلوب؟ لكن لفيليب أيضاً وجهة نظره في الفيلم وتقويمه للأحداث التاريخية والسياسية التي ألمّت بلبنان.
ليست المرة الأولى التي يخبر فيها مخرج بقصة عبر أحد أفراد عائلته. سبقه أحمد غصين في فيلم «أبي ما زال شيوعياً»، ورامي نيحاوي في «يامو»، وغيرهما من المخرجين الذين قصّوا حكايات أهلهم أو أجدادهم للبحث عن ماضٍ وحاضر، لكن فيليب وسّع بيكاره ليقصّ حكاية طائفة مشرقية من خلال تاريخه وتاريخ والديه، ودخل هذه اللعبة ممثّلاً أيضاً مع أفراد عائلته، نابشاً صوراً من لحظات عائلية حميمة. هذا المزج بين الوثائقي والروائي يهواه فيليب منذ «تحت القصف» الذي نجح خارج لبنان، لكنّه تعرّض لانتقادات عدة لدى عرضه في بيروت. لم يعتمد عرقتنجي هذه المرة على ممثلين معروفين. لقد كان وعائلته الممثلين الرئيسيين ومعهم وجوه جديدة، وقد جسّد ماريو باسيل دور بائع أسلحة.
«ميراث» يحمل تحدياً جديداً لعرقتنجي المخرج، والممثل، والأب، وجرأة في إخراج بعض الفصول من سيرته الذاتية وبعض الخصوصية واللحظات العائلية الخاصة للخروج بفيلم موجّه للعائلة أيضاً.




«ميراث»: بدءاً من آذار (مارس) في الصالات اللبنانية