القدس المحتلة | ضجّة كبيرة أثارها انعقاد مؤتمر «اتحاد إذاعات الدول العربية» (اللجنة التنسيقية العليا بين الفضائيات العربيّة) الـ 17 في رام الله بين 8 و 12 كانون الثاني (يناير) الحالي، بمشاركة شخصيات إعلامية من 16 دولة عربية. هذه الخطوة التي يعتبرها الناشطون الفلسطينيون تطبيعاً صريحاً مع الاحتلال الإسرائيلي، قوبلت بسذاجة تامّة في إعلام السلطة الفلسطينيّة والإعلام العربي. إعلام يُروِّج للزيارة على أنّها نصر عظيم للقضية الفلسطينيّة: «اجتماع الإذاعات العربية للمرّة الأولى في فلسطين»، كأنّ فلسطين غير محتلة، وزيارة وفد الإعلاميين العرب ومشاهدتهم للواقع الفلسطيني إنّما يأتيان «تأكيداً لعروبة فلسطين».
تصريح وكيل وزارة الإعلام الفلسطينية محمود خليفة خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في مبنى وزارة الإعلام في رام الله مساء الإثنين الماضي حول انعقاد المؤتمر، جاء لدحض هذه «البطولة»، إذ قال إنّ «إسرائيل تضع العراقيل أمام وصول الوفود العربية التي يُفترض أن تشارك في الاجتماع، إذ لم تصدر إلا 31 تصريحاً من أصل 74 للوفود العربية المشاركة، ولم تقدّم أي تفسير لهذه الإجراءات التي تدل على أنّها دولة احتلال وتثبت للعالم أنّها ليست شريكاً للسلام». لكن بعد مجازر الاحتلال وعنصريته وإمعانه في التطهير العرقي، هل كان العالم ينتظر رفض منح تصاريح دخول لهذه الوفود العربية حتى يتأكد أن «إسرائيل» دولة احتلال؟ وهل تُشكّك الشخصيات الإعلامية وأصحاب الفضائيات العربية وغيرهم من المشاركين في المؤتمر بما يشاهدونه على شاشاتهم حتى أرادوا التأكد بأنفسهم؟
من جهته، قال الناشط والمنتج الفلسطيني الشاب نضال الزغيّر لـ«الأخبار» إن هذا الاجتماع «يثير تساؤلاً أساسياً عن دور ما يسمّى بالشبكات الفضائية العربية في ادخال فكرة وجود الكيان الصهيوني إلى الوعي العربي». وأضاف: «هذه المؤسسات الإعلامية لم تكتفِ باستضافة المحللين والسياسيين الصهاينة عبر شاشاتها، بل إنّها الآن تُشرعِن وجود الكيان عبر تعاطيها مع تأشيرات وأذونات صادرة من خلال سفاراته في العواصم العربية لدخول فلسطين المحتلة».
في الوقت نفسه، عبّر المشاركون في المؤتمر عن سعادتهم البالغة لزيارة فلسطين للمرّة الأولى، واعتبروا أنّ الهدف من هذه الزيارة هو تأكيد «لعروبة فلسطين». عقب الاتهامات بالتطبيع التي وجهتها جهات عدة للمشاركين في المؤتمر، شدد رئيس «مدينة الإنتاج الإعلامي» المصرية حسن حامد على أنّها «دعوة من جهة عربية هدفها تأكيد عروبة فلسطين، ولا علاقة لها بالطبع بالسلطات الإسرائيلية. لذا يجب أن نضع هذا الموضوع جانباً». كلام حامد جاء خلال تصريح لـ«وكالة أبناء الشرق الأوسط» على هامش احتفال استقبال الوفود العربيّة مساء الثلاثاء الماضي في رام الله. قد تكون نيّة الإعلاميين العرب طيّبة، ويكون هدفهم من الزيارة هو بالفعل تأكيد عروبة فلسطين، لكن ما فائدة النيات؟ الجميع يعرف أنّ الاحتلال يسيطر على جميع حدود فلسطين ولا يمكن لأحد الدخول من دون استحضار «فيزا» وتصريح مسبق منه، وهو ما حصل عليه بعض المشاركين في المؤتمر وحُرمت منه الأغلبيّة. فكيف لا يكون للزيارة علاقة بسلطات الاحتلال؟
وفي تعليقٍ آخر لرئيس قطاع الإنتاج في «مدينة الإنتاج الإعلامي» ممدوح يوسف، عبّر الأخير أيضاً عن سعادته البالغة لزيارة رام الله، ولفت إلى أنّ «الزيارة تشكل دعماً للشعب الفلسطيني، خصوصاً بعد ما أثاره يوسف القرضاوي رئيس «الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين» حول تحريم زيارة القدس المحتلة». كأنّ الهدف من الزيارة هو الرد على القرضاوي وتحويل قضية وطنية إلى مماحكات. بدوره، علق الكاتب الفلسطيني عادل سمارة على صفحته على فايسبوك: «لو كان من دعوا هذا الوفد جريئين أو واثقين بهذه المظلات (مظلة السلطة ومظلة الجامعة العربية)، لأقاموا مناظرة بينه وبين مناهضي التطبيع»، قبل أن يعلّق ساخراً: «من لا يعرف معنى التطبيع حتى الآن، فالله يساعدنا عليه».
رد المشاركين والقائمين على المؤتمر سيكون معروفاً؛ فـ«زيارة السجين لا تعني التطبيع مع السجّان». مقولة لطالما رفضها الناشطون في فلسطين المحتلّة على اعتبار أنها كلمة حقّ يراد بها باطل. فالتأكيد على عروبة فلسطين يتحقّق عندما يتم تَبني سياسات إعلاميّة واضحة تجاه فلسطين المحتلة، لا تحصر حدودها بالضفة الغربية وغزة.




للبنان حصة أيضاً

في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أعلنت «نقابة المحررين اللبنانيين» قراراً مثيراً للجدل اتخذته بتلبيتها دعوة زميلتها الفلسطينيّة لزيارة رام الله، قبل أن تلغيه بعد حملة الانتقادات التي تعرضت لها. حينها، كان يفترض أن يحل وفد من ثلاثة صحافيين لبنانيين بضيافة «نقابة الصحافيين الفلسطينيين» في 15تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لإحياء ذكرى «عيد الاستقلال الوطني» (إعلان الجزائر 1988) الذي تحتفل به مناطق السلطة الوطنية في غزة، وأجزاء من الضفة. وقد سبق لنقيب المحررين الياس عون أن قال لـ«الأخبار» إن جوازات السفر «ستُرسل في 12 نوفمبر إلى سلطة رام الله» قبل أن تعدل النقابة عن قرارها المثير للجدل.