منذ ظهور الفضائيات واتساع أفق الصحافة المكتوبة وتحوّلها إلى الشاشات والمواقع الإلكترونية، ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، عملت «إسرائيل» كل جهدها لتكون فرداً من أفراد أسرة الشرق الأوسط بكل خبث وتمكّنٍ مهني، وعن طريقنا في كثير من المرات، بعلمنا أو من دونه. وتم اختراق حصون عديدة بمكر أو «غباء»، فصار الإسرائيلي على شاشاتنا وتكاثر العرب المطبعون في كل مكان. من هذا المنطلق، أقرأ أهمية ما قام به الصديق الإعلامي التونسي وليد الزريبي، في «شالوم» (الأخبار 21/5/2018) برنامج الكاميرا الخفية الأوّل من نوعه في الوطن العربي والأجرأ والأكثر جنوناً حسب وجهة نظري.فقد قام وليد الزريبي أخيراً بإعداد برنامج للكاميرا الخفية سماه «شالوم»، يستضيف فيه أسماء لامعة في المجال السياسي والثقافي والرياضي والإعلامي، ليكتشفوا أنّهم في السفارة الإسرائيلية «المخفية»، وأنّ الموساد يعرض عليهم مبالغ ومغريات عديدة، من مناصب وامتيازات، كي يوطئوا ويمهدوا لفتح السفارة ورفع العلم الإسرائيلي بشكلٍ علني. وهنا تحلّ الكارثة وتختلط الأوراق ويتفرق الجمع بين متردد ومساوم ورافض وموافق.
كاميرا خفيّة تفضح المستعدين للتعامل مع اسرائيل


مع الإعلان عن «شالوم»، قامت القيامة في تونس ولم تقعد، فقد رضخت القناة التاسعة التي أنتجت البرنامج لضغوط كثيرة، فأوقفت البرنامج ومنعته، إلا أن الزريبي وجد طريقاً آخر للبث عبر قناة «تونسنا» الخاصة (على التردّد 11657 Vertical 27500) عند التاسعة والنصف مساءً بتوقيت بيروت، وبالفعل فقد بثّت الحلقة الأولى منه مساء الأحد الماضي.
ومع الكثير من ردود الأفعال العنيفة التي يتعرض لها وليد الزريبي وأنا أكتب هذه السطور، والتي وصلت إلى حد التهديد بالتصفية الجسدية له ولعائلته، إلا أنّه، وبحقّ، يقدّم لنا درساً إعلامياً وأخلاقياً في منتهى الكمال. إذ واجه الإعلام بالإعلام، والكاميرا بالكاميرا، والقضية بالقضية.
أؤكد أنّه اليوم، أو غداً، سيتعرّض الزريبي للمزيد من المشاكل، وسيُهدَّد ويُخوَّن وسيشكَّك في نياته ويحال إلى سفهاء القوم على السوشال ميديا وغيرها من المنصات الرديئة. وكيف لا وقد فقأ عين الغول؟ اليوم وغداً، على كل إعلامي شريف أن يقف بجانب وليد الزريبي الذي كان بإمكانه أن يصبح ثرياً بظرف 48 ساعة ويبيع الجمل بما حمل، ويظل سالماً غانماً، إلا أنّه آثر أن يقدّم درساً حقيقياً في الإعلام يشكر عليه وترفع له القبعات.

* شاعر وصحافي سوري