"هل تعتبر الكراهية المغطاة بالسخرية والحرّية أقل خطراً وأكثر تحضّراً من العنف الخام؟"
«شارلي يجب أن تذهب حيث لا يجرؤ الآخرون (...) يجب هزّ الناس أحياناً وإلا فسيظلون في منطقتهم الآمنة». هكذا كتب «ريس» في 6 كانون الثاني (يناير) بعد عام على الاعتداء الذي تعرضت له مكاتب المجلة في باريس. ويبدو أنّه يطبّق ذلك، جاعلاً من مجلته المنبر الأكثر استفزازاً وإثارة للجدل. الرسم الذي ربط الطفل إيلان بوصفه رمزاً للمهاجرين ومأساتهم بتحرشات كولونيا، في محاولة للتنديد بالعنصرية في الغرب، تلقفه أهل مواقع التواصل الاجتماعي بطرق مختلفة. هناك من رفض وضعه في إطار حرّية التعبير، وسط تساؤلات عن الفرق بين هذه الرسمة وحسّ الفكاهة الخاص باليمين المتشدّد في الغرب. آخرون اعتبروا أنّ «ريس» تخطّى الحدود مرّة أخرى، مقارباً بسخرية مرفوضة الحالة الرمزية التي يمثلها الصغير إيلان، إضافة إلى قول بعضهم إنّ «شارلي إيبدو» استحالت «منبراً للتحريض على العنف والقتل».
قبل القفز إلى تبني مواقف حاسمة تجاه هذا الكاريكاتور المثير للجدل، لا بد من التوقّف عند بعض النقاط. نظراً إلى أسلوب «شارلي إيبدو» الصادم عادةً، رجح كثيرون أن يكون الهدف ممّا نُشر هو السخرية من الخطاب المعادي للاجئين الذي برز في القارة العجوز بعد التحرّشات الألمانية. ويرجّح ماكس فيشر في موقع «فوكس» الإخباري الأميركي، أنّه حين تُعرَض الأمور بالـ «فجاجة» التي حملتها الرسمة، فإنّ ذلك يبرز مدى بشاعة الآراء المتطرّفة تجاه اللاجئين. هذا الموقف، تبنّاه كذلك الصحافي في جريدة «فاينانشال تايمز»، كريستوفر تومبسون، في ردّه على إحدى المغرّدات على تويتر. علماً بأنّ طريقة «شارلي إيبدو» الفجّة في التعليق على التطوّرات سبق أن أثارت ردود فعل متباينة، كان آخرها في عددها الصادر في 9 أيلول (سبتمبر) الماضي (الأخبار 15/9/2015) ويتمحور أيضاً حول اللاجئين.
لكن إذا كانت الصحيفة تهدف إلى السخرية من العنصرية تجاه الهاربين من نيران الحروب إلى أوروبا، فهل طريقة التعبير عن ذلك كانت سليمة؟ سؤال طرحه فيشر، إلى جانب صحافيين وفنانين كثيرين حول العالم، بينهم الرسّامة والأستاذة الجامعية في التصميم، جنى طرابلسي. الفنانة اللبنانية نشرت تساؤلات مهمة على صفحتها الفايسبوكية أمس، أبرزها: "هل إنا أخدم قضية أؤمن بها عندما أكرّر صوراً نمطية، ولو كانت ذات مستويات أخرى من القراءة، ولو كانت من باب السخرية؟ هل من السديد استغلال موت طفل كانت وسائل الإعلام قد استباحته إلى الأقصى، لإذلاله ميتاً، وإذلاله في حال نجاته من الموت؟ وهل تعتبر الكراهية المغطاة بالسخرية والحرّية أقل خطراً وأكثر تحضّراً من العنف الخام؟ وأخيراً، هل الرسمة أصلاً جميلة، أو منفذة جيداً، وطليعية، ومضحكة، ومؤثرة وذكية ومؤلمة؟".
منذ الاعتداء على «شارلي إيبدو» العام الماضي، ازداد جمهور «شارلي إيبدو» بطريقة خيالية، واستقطبت قراءً جدداً بعد معاناة مالية كادت أن تقضي عليها. وربما في هذا الإطار يمكن فهم الرسمة الجديدة التي أثارت ردود فعل كبيرة سترفع معها بلا شك عدد القرّاء!