السيناريو نفسه الذي شاهدناه مع القنوات المصرية قبل خمسة أعوام، تكرر مع شبكة mbc أخيراً. تداخلت السياسة مع الفن، لتكون النتيجة «إعلان حرب» على الدراما التركية. في عام 2013، أوقفت الشاشات المصرية بثّ الأعمال التركية، رفضاً لسياسات الحكومة التركية تجاه مصر بعد عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي. تبعه أخيراً قرار القائمين على الشبكة السعودية بتجميد تلك المشاريع بسبب وقوف تركيا إلى جانب قطر في الأزمة السعودية القطرية.
فجأة، استفاقت mbc على المسلسلات التركية بينما كانت هي نفسها عرّابة دخولها إلى المشاهد العربي قبل نحو عشر سنوات. يومها، حظيت هذه الأعمال بشهرة وشعبية كاسحة، إلى درجة أن بعض وسائل الإعلام وصفتها بـ «الغزو العثماني للعرب مجدداً!». على مدى سنوات، راكمت mbc تخصّصها في عرض العمل التركي وحرصت على شراء أنجح المسلسلات، بداية مع «نور» (2007/2008)، وصولاً إلى التاريخي «حريم السلطان» والرومانسي الاجتماعي «العشق الممنوع». هكذا، بثّت أكثر من 100 مسلسل وفيلم وبرنامج تركي، وكانت قد اشترت أخيراً مشاريع بدأت بعرضها، آخرها مسلسل «الدخيل» الذي لم تبثّ منه سوى بضع حلقات. وكانت رحلة تحويل المسلسل التركي إلى اللغة العربية، تحديداً اللهجة السورية، تمرّ بعدّة مراحل. في البداية، كانت شركة O3 التابعة لـ mbc، تشرف على شراء المسلسلات التركية لقاء ملايين الدولارات. لاحقاً، أوكلت O3 مهام ترجمة أو دبجلة المسلسل إلى شركات، أبرزها «سامة» (أديب خير) و«فردوس» و abc. وضعت mbc يدها بيد المنتج السوري الراحل أديب خير (الأخبار 13/2/2013)، وقدّما معاً العديد من الأعمال المدبجلة. مع رحيل خير إثر أزمة قلبية عام 2013، تسلمت نسرين حكيم مهمة الإشراف على دبلجة غالبية المسلسلات (المكسيكية والهندية والتركية...) التي تعرضها الشبكة (سابقاً) وحالياً.
مع نشوب الحرب السورية قبل ثماني سنوات، اتخذ الممثل (ة) السوري من الدبلجة، فسحة لضمان متابعة نشاطه الفني وتحصيل لقمة عيشه. حتى إنّ بعض الممثلين السوريين ارتبطت أصواتهم بشخصيات العمل التركي، أبرزهم الممثل خالد القيش الذي شارك في دوبلاج «حريم السلطان» بدور البطولة «السلطان سليمان»، كذلك، ندين تحسين بك، أماني الحكيم، نسرين الحكيم، ووفاء موصللي، بالإضافة إلى أناهيد فياض التي أدّت صوت النجمة التركية توبا بويوكستون في «سنوات الضياع»، لافتة في إحدى المقابلات معها بأنّ «لميس أطلقتها نحو الشهرة أكثر». من هنا، تطرح علامات استفهام حول كيفية مواجهة شركات الدبلجة قرار مقاطعة المسلسلات التركية.
يُجمع المتابعون في المجال الفني على أن mbc ستحاول تخطّي أزمة تجميد المسلسلات التركية عبر «سحب ورقة» المسلسلات المكسيكية والبرازيلية والكولومبية والهندية واللبنانية (حتى عرض الأعمال الخليجية)، وستبقى على تعاون مستمرّ مع شركات الدبلجة التي ارتبط اسمها بها سابقاً، وقد أوكلتها أخيراً مهمة دبلجة مجموعة من الأعمال كي تملأ الهواء الذي ترك فارغاً بعد تجميد المسلسلات التركية. ومن حسن حظّ mbc أنها كانت تملك مسلسلات مكسيكية مدبلجة للعربية، بدأت ببثّها مباشرة بعد بدء تفعيل قرار التجميد الذي بدأ أوائل الشهر الحالي. ويجري الحديث حالياً أنه كما تبنّت mbc الدراما التركية، سوف تصبّ اهتمامها على اختراع حمى جديدة تجاه دراما أخرى. لكن من يقرأ التاريخ جيداً، يعلم أن المشاريع المكسيكية والكولومبية عرفت شهرة في الثمانينيات والتسعينيات. يومها كانت lbci عرّافة تلك المسلسلات، وغامرت بالكثير من الأعمال التي لا تزال عالقة في الذاكرة منها «أنت أو لا أحد» و«مهما كان الثمن» (الأخبار 10/1/2018). لكن مع اكتساح الدراما التركية الشاشات وقلوب المشاهدين (عموماً تشابه البيئة التركية والعربية)، غابت حظوظ الأعمال الآتية من بلدان أخرى. ويتخوف بعض المتابعين من وصول المقاطعة التركية إلى جميع الشاشات السعودية، من بينها «روتانا دراما»، وحتى الاماراتية التي تعد حليفة للسعودية. يبقى أن الشاشة الصغيرة لم تعد ذات أهمية بالنسبة إلى مشاهد اليوم، بل يوتيوب الذي يقدم أهمّ المسلسلات التي تعرض مباشرة في تركيا، وتتم ترجمتها في اليوم التالي إلى العربية. ويُحكى أنّ ردة فعل تركيا على القرار السعودي، ستكون بافتتاح محطات ناطقة باللغة العربية لعرض هذه الأعمال. كما لا يمكن اغفال القنوات القطرية أبرزها «beIN دراما» التي ستستفيد حتماً من مقاطعة السعودية للمشاريع التركية وتفتح ذراعيها للحليف السياسي. علماً أنّ قناة «الجزيرة مباشر» بدأت باستقبال نجوم أتراك لتستصرح رأيهم بمقاطعة السعودية لأعمالهم.