في غضون أقل من أربعة أشهر، سُجّلت في لبنان الكثير من الحالات التي تحرّك فيها القضاء ضدّ الإعلام، آخرها أوّل من أمس، حين طلب مدّعي عام التمييز، القاضي سمير حمّود، الإدعاء على مقدّم برنامج «لهون وبس» (الثلاثاء ــ 21:30 ــ lbci)، هشام حدّاد (الصورة)، على خلفية «تعرّضه لمواقع ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، وأمين عام «تيّار المستقبل» أحمد الحريري» في الحلقة التي عُرضت في 2 كانون الثاني (يناير) الحالي. من جانبها، أحالت النائب العام الاستئنافي، القاضية غادة عون، هذا الإدعاء إلى محكمة المطبوعات في جبل لبنان سنداً إلى المادة 23 من المرسوم الإشتراعي 104/77 التي تنص على أنّه «إذا تعرّضت إحدى المطبوعات لشخص رئيس الدولة بما يعتبر مسّاً بكرامته، أو نشرت ما يتضمّن ذماً أو قدحاً أو تحقيراً بحقّه أو بحق رئيس دولة أجنبية، تحرّكت دعوى الحق العام بدون شكوى المتضرّر...». في الحلقة المُشار إليها، وأثناء تطرّقه لمشاهدات التلفزيونات اللبنانية خلال سهرة رأس السنة، استند حدّاد إلى أحد توقّعات ميشال حايك على mtv حيث نصح بن سلمان بـ «عدم تناول الوجبات السريعة»، ليعلّق بأسلوبه الساخر المعتاد.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى سعد الحريري أثناء الحديث عن احتفالات رأس السنة التي رعاها في وسط بيروت، وأحمد الحريري الذي عرض له فيديو وهو يغنّي That's the Way.
فور الإعلان عن النبأ، بدأت التكهّنات حول الجهة التي حرّكت الدعوى، قبل أن تنفي أوساط سعد وأحمد الحريري علمها بالموضوع. وبعدما أكّد وزير العدل سليم جريصاتي أنّه لم يحرّك النيابة العامّة ضد حدّاد، حسم القاضي سمير حمّود الأمر، معلناً لـ lbci أنّ «​النيابة العامة التمييزية​ هي التي حرّكت الشكوى، لأنّ بعض الكلمات التي وردت في الحلقة تحوي إساءة وتشهيراً، وتمسّ علاقات ​لبنان​ بدولة أخرى»، مضيفاً أنّ «المحكمة هي التي تفصل في صحة هذا الإدعاء».
في هذا السياق، نقلت lbci عن وزير الاعلام، ملحم الرياشي، قوله لحدّاد: «عملولك خدمة مجانية... ما تزعل»، مؤكداً أنّ الحريات الإعلامية مقدّسة و«مش كل واحد بقول نكتة بتصير قضية»، ليردّ هشام بالقول: ««أشكره على دعمه، لكنّ الغريب أنّ السياسيين يدعموننا كمشاهدين في حين أن الوزير هو السلطة. فليقف إلى جانبنا وليتحرك معنا في القضية».
تأتي قضية المقدّم السابق لبرنامج LOL، بعدما استدعي الإعلامي مارسيل غانم، بعد حلقته الشهيرة في «كلام الناس» على lbci، بعيد إعلان الرئيس سعد الحريري إستقالته من الرياض، قبل أن يطلب وزير العدل سليم جريصاتي من حمّود، إجراء «التعقبات» بحق الزميل أسعد أبو خليل المقيم في الولايات المتحدة منذ العام 1983، على خلفية بوست نشره على تويتر يهاجم فيه الجيش اللبناني. علماً بأنّ ملاحقة أبو خليل أعقبت وشاية «المؤسسة اللبنانية للإرسال» به في تقرير تناول هذه التغريدة. وسبق ذلك استدعاء الزميل إيلي حنّا للتحقيق أمام المباحث العسكرية بعد مقابلته الشهيرة «حبيب الشرتوني: البطل... وحيداً» التي نشرت في «الأخبار» في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2017.

يجب ردّ الإدعاء لأنّ المادة 23 لا تنطبق على بن سلمان وسعد وأحمد الحريري

هذه الوقائع المستهجنة والمستغربة، تدفعنا إلى السؤال: لماذا كلّ هذه الملاحقات القضائية؟ وهل هي سياسة ممنهجة، ستتحوّل من بعدها هذه السلطة إلى أداة لكم أفواه أهل الصحافة والإعلام وترهيبهم؟ أم أنّها تجري في سياق مصالح ورسائل سياسية قبيل الإنتخابات النيابية المزمع عقدها في أيّار (مايو) المقبل؟ أم أنّ قدرة السياسيين والمسؤولين على تقبّل النقد والسخرية صارت معدومة؟ وهل للموضوع علاقة بانعدام الحسّ الديمقراطي لدى الطبقة الحاكمة في السعودية؟ ولماذا يبدو الاستهداف متركّزاً على أسماء شهيرة؟
في إتصال مع «الأخبار»، يوضح هشام أنّ القاضية عون تلّقت طلباً شفهياً بالإدّعاء عليه من قبل القاضي حمّود، ثم ارتأت «تحويله إلى محكمة المطبوعات، بعد عدم حصولها على طلب خطّي»، متسائلاً ما إذا كان صحيحاً أنّ حمّود تقدّم بطلبه بعد مشاهدة الحلقة أم أنّ هناك مَن لفت نظره إلى ذلك. وفيما أبدى تخوّفه من تحوّل القضاء إلى سلطة رقابة على حرّية الإعلام، قال هشام حدّاد: «يا ليته يتحّرك تلقائياً إزاء مواضيع أخطر تمّس بصحة المواطن ومصلحته، كالنفايات التي تفتك بنا مثلاً».
عن حيثيات القضية ــ ورغم شجبه لهذا التحرّك القضائي ــ يرى المستشار القانوني في جمعية «مهارات»، طوني مخايل، أنّ هناك جانباً إيجابياً يتمثّل بأنّ «القاضية غادة عون حوّلت الموضوع إلى محكمة المطبوعات من دون أن تطلب التوسّع في التحقيق، مما يجنّب هشام المثول أمام قاضي التحقيق. كما أنّها حصرت قضية إعلامية بهذه المحكمة تحديداً، في ما يبدو كأنّه استدراك لما حصل مع مارسيل غانم سابقاً».
إلا أنّ مخايل يستغرب الاستناد إلى المادّة 23 المرتبطة برئيس الدولة أو رئيس دولة أجنبية لأنّ أيّاً من الأشخاص الثلاثة (محمد بن سلمان وسعد الحريري وأحمد الحريري) المذكورين في الدعوى لا تنطبق عليهم هاتان الصفتان.
يوافق المدير التنفيذي لجمعية «المُفكّرة القانونية»، المحامي نزار صاغية، على هذه النقطة مشدداً على أنّه في هذه الحالة «يجب أن يردّ الإدعاء. في ما يخص الشخصيات المذكورة، لا يمكن تحريك دعوى الحق العام، بل على الإدعاء أن يكون شخصياً من قبل المتضرّر». ويتابع قائلاً: «يتبيّن في هذه الحالة أنّ النيابة العامّة غير مطلعة على مبدأ أساسي وهو الحق في الفكاهة. فللبرامج والأعمال الفنية الفكاهية والساخرة سقف أعلى من الحرية، وفق حكم صادر في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 عن محكمة إستئناف بيروت، برئاسة القاضية فريال دلول، التي أسقطت جميع التهم الموجهة إلى الممثلَيْن اللبنانيَيْن، إدمون حدّاد وراوية الشاب، في قضية الإخلال بالآداب العامة على خلفية العرض المسرحي Halleluiah It’s Raining الذي قدّماه عام 2009.
هنا، تأسّف صاغية للواقع اللبناني اليوم بعدما كانت الأمور تتطوّر بشكل ملحوظ قبل عقود: «في الستينيات، صدرت خمسة أحكام عفو عن جرائم مطبوعات، وفي العام 1972 طُرح في مجلس نوّاب تحويل كل القضايا المتعلقة بحرّية التعبير إلى محاكم مدنية بناءً على طلب المتضرّر».