سلسلة وثائقية من خمسة أجزاء (لا يتجاوز كلّ منها الـ 22 د) تتناول الرقص في حضارات مختلفة حول العالم، وتتطرّق إلى كيفية مساهمة هذا الفنّ في تعزيز التواصل والروابط بين الناس والأمكنة والثقافات، من خلال رحلة بين إندونيسيا، وفيتنام، وفرنسا، ونيجيريا، ولبنان.تعريف بسيط كفيل بدفع المرء، بحماسة كبيرة، إلى مشاهدة الموسم الأوّل من We Speak Dance (إخراج كريس كينر) الذي صار متوافراً عالمياً عبر «نتفليكس» في الأوّل من كانون الثاني (يناير) الحالي، و«يكشف كيف يتم استخدام الرقص كسلاح سياسي، عبر شبكة متداخلة من الأساليب من قرى نائية، ومجموعات مغمورة، وفرق شهيرة، تبيّن كيف يجمعنا الرقص من خلال الثورة، والاحتفالات الدينية، والهوية الجنسية».

أما الشخصية التي تقف خلف هذه التجربة وتتولّى تقديمها، فهي الراقصة فاندانا هارت (الصورة)، المولودة في موسكو لأمّ روسية وأب أميركي كان يسعى خلال الحرب الباردة «إلى الإفراج عن المعتقلين». بداية حياة هارت المهنية كانت بتعلّم أساليب رقص مختلفة، من الباليه إلى الإفريقي ــ الكاريبي، لتنضم بعدها إلى برنامج Ailey/Fordham لحيازة إجازة في الفنون الجميلة، ومن ثم تحوز شهادة من فرقة «ألفين أيلي» للرقص الأميركي، قبل أن تحصل على إجازة في السياسة الدولية من «جامعة نيويورك»، وتحمل بعد سنوات شهادة ماجستير من «كليّة لندن للاقتصاد». خلال هذه الفترة، انخرطت فاندانا في مشهد الـ «أندغراوند هيب هوب» في نيويورك، وتدرّبت في الأمم المتحدة حيث حصلت على وظيفة كمستشارة حول حقوق المرأة وتمكين الشباب...

ميل إلى الابتعاد
عن التقليدي والسائد،
بين الدبكة والرقص الشرقي

أثناء وجودها في الأمم المنظمة الدويلة، وضمن لجنة تحكيم برنامج So You Think You Can Dance في كينيا (حيث قرّرت فجأة العيش لفترة بعدما انسحرت بهذا البلد)، تؤكد هارت في عدد من الأحاديث الصحافية أنّها «أيقنت أنّ الرقص هو أقوى طريقة لتوحيد الناس، وتغيير حياتهم، كما أنّه سلاح فعّال جداً للتغيير الاجتماعي». هكذا، جالت على 80 بلداً وأقامت عدداً هائلاً من ورش العمل، وأنجزت فيديو كليبات كوريغرافية...
وفي عام 2014، بدأت الفنانة التي عاشت مع عائلتها في السويد والهند وكاليفورنيا وأريغون تبحث في كيفية الترويج لمبادئ حقوق الإنسان عبر الرقص والحركة، من دون أن تدرك أنّ هذا العمل سيُترجم بعد أكثر من ثلاث سنوات في سلسلة We Speak Dance.
ومن بين المدن الخمس التي زارتها هارت في رحلتها الطويلة لإعداد هذا المشروع، حطّت في بيروت التي خُصّصت بالحلقة رقم 3. وصفت فاندانا العاصمة اللبنانية بأنّها «إحدى أقدم المدن في العالم... ومدينة مذهلة تجمع التناقضات»، مستعرضةً التنوّع الذي يطغى على أهلها، بين المحافظة والتشدّد الديني والليبرالية. لفتت إلى أنّها معروفة بأنّها «عاصمة السهر في الشرق الأوسط»، فيما يرتبط تاريخها وواقعها بـ «الحرب والصراعات الطائفية»، ومشيرة إلى وجود ملاهٍ ليلية على البحر «على بعد خمس دقائق من مقرّ حزب الله (في الضاحية الجنوبة)»، إضافة إلى أعداد متزايدة من اللاجئين في ظل اقتصاد مأزوم في طور النمو. وفي المحصّلة، تشدّد هارت على أنّ اللبنانيين يلجأون إلى الرقص في محاولة «لتخطي تعقيداتهم بكل صمود ومرونة».
لا يمرّ الكثير من الوقت قبل أن يشعر المشاهد بأنّ المادة البصرية التي يشاهدها مشتّتة، فهي تريد قول الكثير لكنّ النتيجة غير مترابطة ومُبهمة. البداية مع عرس لبنان عصري، يحثّ فاندانا على التعرّف إلى الدبكة مع الشاب عمر ديلاتي الذي يرقص في «فرقة فهد العبدالله». نتعرّف من خلال مؤسسة الفرقة على أهمية هذه الرقصة التقليدية، ويُخبرنا بأنّ «النساء يشاركن فيها كالرجال، ويكنّ مثيرات جدّاً». وفجأة، تدخل فاندانا وعمر إلى أحد المخيّمات الفلسطينية في بيروت، حيث «يكتشفان» الوضع «المأساوي»، قبل أن تقرّر الراقصة الشهيرة إقامة ورشة رقص للأطفال هناك، في مشهد «استشراقي» بحت، وغير مبرّر إطلاقاً. المحطة التالية مع الرقص الشرقي، بدءاً من نعيمة يزبك، يليها ألكسندر بوليكيفيتش، ثم رندا مخول (راقصة «مترو المدينة»). لا شكّ في أنّ هناك اتجاهاً واضحاً للابتعاد عن الأسماء التقليدية أو السائدة (أماني أو سمارة... وحتى فرقة «كركلا» الشهيرة في أشكال أخرى من الرقص)، لكن يمكن القول بكل راحة ضمير إنّ بوليكيفيتش هو أكثر مَنْ خدم فكرة الرقص (البلدي) كسلاح سياسي واجتماعي، إذ أكد أنّ هذا الفن غير مرتبط بجندر معيّن، كما أنّه ليس «أنثوياً بل فعل سياسي». وفي هذا السياق، شدّد ألكسندر على أنّ «شعري الطويل، وماكياجي، وافتخاري بمثليتي، عبارة عن موقف سياسي أتحدّى من خلاله المجتمع والمنظومة»، لا سيّما في بلد يعاقب المثلية بالحبس.