«الأسئلة الكبيرة» التي أرادها محمد قيس أن تخرج من أفواه الأطفال، ها هي تخرج من فمه، لنكون أمام حلقة يمكن وصفها بالمسيّسة، والخارجة عن أي نطاق يتعلق بعالم الطفولة، وحتى بخيالاتهم. إنّها حلقة «عيد الاستقلال» من «لما يحكوا الصغار» التي بثت في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. حلّت مجموعة أطفال، لتتحدث في مفاهيم تخص الوطن والحرب، وقضايا اللجوء الفلسطيني والسوري.
قناة المرّ المعروفة بسياستها التحريرية، ولعبها الدائم على ملفات حساسة، كقضايا اللجوء، وموقفها من «حزب الله»، انعكست كل سياستها في هذه الحلقة، عبر حوارات قصيرة دارت بين قيس والأطفال، استشف منها تعمّد أخذ النقاش الى مكان آخر، لا يمكن توظيفه - إنسانياً أقله- في عالم الصغار. سأل قيس ضيوفه: «من يدافع عنا في الحرب؟»، فأجابه الطفل هادي على سجيتّه: «الجيش والحزب». لم يعجب قيس بإجابة هادي، فسأله مرة جديدة بنفس استنكاري: «ليش مش الجيش لحالو؟». وبعد تصريح الطفلة إليان بأن من دافع عنها هم «القوات»، و«الكتائب»، فتح ملف الحرب الأهلية على مسمع أطفال لم تتجاوز أعمارهم التسع سنوات. بعدها، وضعت صورة سعد الحريري على الشاشة، وعلّق الأطفال عليها، لا سيما أنّ الحريري وقتها كان قد أعلن استقالته من السعودية. تطايرت الإجابات، التي تتهم الأطراف الإقليمية بالتدخل في شؤون لبنان. وإذ بنا أمام ثلاثة أطفال جدد، منهم لاجئة فلسطينية من مخيم شاتيلا، ولاجئ سوري من حمص. فتح مقدم البرنامج هنا، قضية اللجوء، ورهاب الخوف من الغريب. سأل قيس: «ما فيكن ما تقولوا للبنانيين ما فيكن تخافوا»، فتجيبه ديانا اللاجئة الفلسطينية: «حقن يخافو ع حالن». هنا، استدرج قيس هؤلاء الى لعبة بشعة، لا دخل لهم فيها، كضرورة محاسبة اللاجئين الذين يدخلون الأراضي اللبنانية، و«يخالفون قوانينها». كما فتح قضية «السلاح المتفلت» في المخيمات الفلسطينية، وسأل: «هل يحق للاجئ أن يحمل سلاحاً؟»، و«كيف بدي حارب العدو إذا كنت لاجئاً؟».
الإجابات أتت مرتبكة من قبل الأطفال، وحاسمة في أماكن أخرى، كسؤال قيس عن فلسطين دون أن يسميها، وشعور الانتماء الى أرض لم نولد فيها، أو عن كيفية مقارعة العدو واللاجئون موجودون على الأراضي اللبنانية.
حلقة أقحم فيها محمد قيس، قضايا بحجم أدمغة كبار لم يستطيعوا الإجابة عنها أو حلّ معضلاتها. من خلال هذا البرنامج، والشاشة من ورائه، أراد أن يخرج بأجندة معروفة سلفاً، تستخدم الأطفال درعاً، لإيصال رسائل سياسية مبطنة أو مكشوفة. استغل «لما يحكو الصغار» مناسبة الاستقلال، لنكون أمام خلطة غريبة عجيبة، من المكونات اللبنانية، وغير اللبنانية القاطنة على هذه الأراضي بحكم ظروفها القاهرة، المؤقتة أو الدائمة. دمجت فيها المفاهيم، وتطايرت فيها الآراء، والملفات المعمّرة منذ قرون، التي لم تلق حلولاً بعد في عالم الكبار، فكيف إذا فرضت إشكالياتها على الصغار؟