«الجريمة وقعت بالقرب من وسط بيروت». هكذا عرّفت lbci، مشاهديها في نشرة الظهيرة أول من أمس، إلى منطقة زقاق البلاط. عرّفتهم اليها من خلال الدلالة على منطقة سلخت من قلب بيروت، وذاكرتها، وأضحت محجة في النهار للسيّاح العرب، وللمحال الفاحشة، وفي الليل مدينة أشباح لا سكان فيها.
وسط بيروت الذي كان الطريق الذي دلت عليه المحطة، لتحديد موقع الجريمة التي حدثت في زقاق البلاط. لم يأت على بال القناة بأن المنطقتين يقع بينهما خط تماس اجتماعي واقتصادي قاهر، وبأن جدران مبانيها المهترئة طليت بالألوان من الخارج كي لا «تجرح» عيون السياح الآتين الى وسط العاصمة. جدران ملونة وداخل مبانيها تحاك يومياً، قصص للفقراء والمعدمين والمهمشين. على مسافة أمتار من الوسط، تقع أحياء شعبية فقيرة، تشاهد «شعشعة» الأضواء من بعيد عندما تنقطع عنها الكهرباء، ويتمشى سكانها الى جانب واجهات المحال الفاخرة في «الوسط» للفرجة فقط. هنا، في زقاق البلاط، التي أضحت حديث الناس، و«تريند» على تويتر، هزّت مذبحة فجر أول من أمس حيّها الهادئ. ولد قاصر علي يونس (14 عاماً) يقتل والده ببندقية الصيد التي أهداه إياها، ثم يردي شاباً (سوري الجنسية)، كان يمرّ عن طريق الصدفة أمام الشاب الصغير، ليعود ويقتل ناطور المبنى المقابل، ويصيب زوجته و3 شبان آخرين في الطبقة السادسة من المبنى الذي يقطن فيه.
أفرغ الولد جعبته بعدما رسم كل هذه المشهدية الدموية، وأراد العودة الى منزله، قبل أن يلقى القبض عليه ويسلّم للأجهزة الأمنية.

عرّفت lbci زقاق البلاط
بأنّها قريبة من وسط بيروت

في الساعات الأولى للمجزرة المرّوعة، تداول السكان البعيدون نسبياً عن مكان الجريمة بأن «داعش»، قد اجتاح حيهّم ويقوم بالتجزير بالناس. خرجت بعدها روايات متعددة ومتخلية على المواقع الإلكترونية، تحلّل دافع علي يونس لارتكابه هذه الجرائم بالجملة. حضر الإعلام (بنهَم) بكل تفرعاته الى مسرح الجريمة، وبدأت منصات التواصل الاجتماعي بنشر صور الضحايا و«الضحية»/ الجاني، وهوياتهم الشخصية. لم يعرف هؤلاء وحتى بعض سكان المبنى وكل من وطأت قدماه مبنى الجريمة أن داخلهم «دواعش صغيرة»، وأن للناس كرامات. أخذ هؤلاء يتفننون في نشر صور الوالد (محمد يونس)، مرمياً على الأرض ومضرجاً بدمائه. هذا الرجل الذي لم تأت سيارة الإسعاف لإنقاذه، الا بعد ساعة، بعدما غرق بدمائه، أضحى صورة للفرجة، وللتداول، ودماؤه مكاناً للأقدام الآتية لتصوير ومعرفة ما حدث.
وفي ردة فعل على ما حدث، قالت الأم إنّ ابنها مضطرب عقلياً. نسأل بحرقة: «لماذا لم تعالجوه؟». لكن الإجابة لن تنتظر طويلاً، تأتي من شقيقته الكبرى: «ما معنا مصاري لنحكمه». نعود الى حي زقاق البلاط، الى القهر الاجتماعي والاقتصادي الخانق، الى عائلات تأكل بالدين، وتلبس من «سوق الباليه»، تعمل بسيارات أجرة كما كان يشتغل الضحية ليعيل عائلته، وتراكم على نفسها ديون تكاليف شراء سيارة أو استئجار نمرة عمومية. علي يونس، نعم قتل والده، وقتل وجرح أبرياء. حاول ربما، قتل قهر أبعده عن مدرسته في الصغر، وحلم ببيئة ملائمة يعيش ويتنفس فيها كأي صبي مراهق في عمره، أو يتلقى علاجاً نفسياً من دون الحاجة إلى التفكير في المال.
عند الساعة الثانية عشرة ظهر أول من أمس، جيء بخراطيم مياه «الإطفائية»، لتزيل آثار الدماء، التي غطت طبقتين اثنتين من المبنى. أسدل الستار على حيوات قضت في دقائق معدودة، وفتحت على نقاش آخر: أين ستكون الجريمة المقبلة؟ وأي تراكمات ومعضلات اجتماعية قاهرة ستنفجر؟ وفي أي حيّ؟ بالقرب أو بعيداً عن... وسط بيروت؟! وكيف سيتعامل معها إعلامنا؟