منذ اندلاع الحرب السوريّة، تفرّغ الصحافي ثائر العجلاني (1982) لتغطيتها ميدانياً، ورصد تداعياتها الإنسانيّة والحياتية. ينقل المستجدّات ضمن نشرة الأخبار الرئيسية في إذاعة «شام إف إم» الخاصّة، ويكتب التقرير الميداني اليومي في صحيفة «الوطن» المحليّة. هذا لم يمنعه من إنجاز أشرطته الخاصّة، التي يعرضها على قنوات التلفزيون السوري، ضمن تصنيف «أفلام تسجيلية» أو «أفلام استقصائية». في عام 2014، أنجز «وجع حمص» (23 د.)، و«على رصيف حلب» (40 د.)، متجوّلاً بعدسته في المدينتين المرهقتين، وملاحقاً وجوه أهلها. قبل أيام، عرض جديده «ليل حبيبة» (2015، 19 د.) على الفضائية السوريّة. لجأ العجلاني هنا إلى ليل العاصمة كفضاء وتيمة.
ينسلّ إلى الشوارع والأزقة بعد منتصف الليل، محاولاً الإجابة على السؤال الشهير: «كيف الأوضاع بالشام؟». شخصيات متنوّعة الطباع والمهن والأعمار، يباغتها ابن المدينة من دون تحضير مسبق. بخفّة، يحرّض وجوهاً من دمشق وحلب وعفرين على شحن مفهومها الوجداني لعاصمة أحد أخطر بلدان العالم اليوم. «أمّي» يجيب «أبو عبدو» من باب شرقي، مؤكّداً: «قبل (الحرب) كانت الناس أظرف»، قبل أن يتفاءل: «بترجع». بائع فاكهة يتذكّر أيّام العز، حين كان الناس يشترون بضاعته من دون حساب. صاحب محلّ فول في ساحة باب توما، يفخر أنّه يعمل «ليلاً نهاراً فقط».
عامل نظافة يردّ بثقة: «ما في حرب». جنود يؤكّدون: «الله والشام» و«الشام صامدة». ثمّة تشبّث واضح بدمشق ككينونة وحاضن لا مثيل له. الانتماء والإصرار على الحياة مفاهيم حاضرة بقوّة في كلّ عناوين ثائر العجلاني.
كما في محاولات أخرى لمراسلين ميدانيين، يقع ثائر العجلاني في التباس التصنيف. يصف «ليل حبيبة» بأنّه «أول فيلم تسجيلي يوثّق ليل دمشق حتى ساعات الفجر».

صوت عبّاس النوري الدافئ
تتبعه «موشحات أديب الدايخ»

هكذا، يقترح ريبورتاجاً على أنّه جنر سينمائي مختلف المحدّدات والمعالم وأطر تفكيك الواقع. العجلاني نفسه يصفه بالـ «تقرير»، قبل سؤال شخوصه، حتى أنّه يختم بالأسلوب الإخباري المعتاد: «أنا ثائر العجلاني من أتوستراد المزّة في العاصمة السوريّة دمشق». التصوير «السياحي» لأماكن تبعد عن خطوط التماس بضعة كيلومترات، ترسيخ آخر للبنية التقريرية. لا توجد أسلوبية مقصودة في السينماتوغرافيا، أو اشتغال لوني محدّد عليها. في شريط الصوت، ينسلّ صوت عبّاس النوري دافئاً من مسلسل «ليس سراباً» (2008 - تأليف فادي قوشقجي، وإخراج المثنى صبح، وإنتاج «سورية الدولية للإنتاج الفني»). تتبعه «موشحات أديب الدايخ» التي أعاد توزيعها عبد الرحمن محمد، إضافةً إلى مختارات أخرى. إنّها مسحة نوستالجية للشام التي كانت، أو متطلّعة لما يجب أن تعود إليه. في حديثه لـ «الأخبار»، يقول العجلاني عن الفيديو: «أنا ابن مدرسة الإعلام الحربي، وهذا الأمر وظّفته في فيلم «ليل حبيبة». من خلال أبناء الليل الدمشقي، أتناول ثقافة الحياة ومقاومة الزوايا السلبية للحرب السورية».