بتاريخ 22 أيلول (سبتمبر) الماضي، هزّت جريمة قتل الشابة ريّا الشدياق (26 عاماً) في بلدة «مزيارة» (قضاء زغرتا)، الرأي العام اللبناني. جريمة مرّوعة خضت مفاصل الحياة اللبنانية، وأفرزت تعاطياً إعلامياً وشعبياً وحتى سياسياً مختلفاً مع ملف النزوح السوري في لبنان.
صحيح أن هذا الملف الشائك يتسم بجدل عقيم، وليس جديداً أن تُسقط عليه كل مصائب الدولة اللبنانية، ويحمَّل وزرها، على رأسها الملفات الحياتية من مشاكل مياه وكهرباء، وبطالة ومزاحمة غير الشرعية في سوق العمل... ملفات أسهم الإعلام اللبناني في تأجيجها وخلق أجواء محرّضة على الوجود السوري في لبنان، وصدّر صورة عن هؤلاء كافية لتحمّلهم كل ذنوب ما يعانيه اللبنانيون. إلا أن «جريمة مزيارة»، استطاعت خلق مسار مختلف، انزلق الى خطاب خطير شعبوي وإعلامي، ما زال مستمراً حتى اليوم، ويُعمل على تأجيج أكبر للفتنة ولشيطنة النزوح السوري، وصبغه بعلامات القتل والوحشية.
لعلّ العامل المساعد، على الخروج بهذا الخطاب الخطير، هو تزامنه مع تجاذب سياسي انتخابي، وضخّ إعلامي يطالب بعودة السوريين الى بلدهم، أو ترحيلهم على وجه السرعة. على رأس هؤلاء المطالبين وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يشكل رأس حربة في هذا الملف، هو الذي ما فتئ يكرّر خطاباً عنصرياً وشعبوياً فاقعاً على حسابه على تويتر. وآخر تغريداته اعتبرت أنّ كل «أجنبي» على الأراضي اللبنانية، يعدّ «محتلاً»، من أي جهة أتى! هذه الأجواء المتشنجة، وأخبار الجرائم المتلاحقة التي تتصدرها تسمية جنسية المعتدين (السورية)، بخاصة بعد جريمة مزيارة الوحشية، وقرار ترحيلها للسوريين المتواجدين داخلها، وكرّ السبحة إلى مناطق شمالية أخرى، في تقاطعها مع هذا القرار، أدت الى رسم صورة موحدة عن اللاجئين بأنهم جميعهم سارقون وقتلة ومغتصبون. هكذا، نزل عقاب جماعي بهم، وباتت أعمال وحشية فردية، تنسحب على جماعات بأكملها.

غادة عيد على mtv
نموذج عن قلة المهنية!

ولعلّ مداخلة المحامية غيدة فرنجية لـ «المفكرة القانونية» عن هذه الظاهرة بالتحديد، يمكن الانطلاق منها لتأطير هذه المعضلة. إذ اعتبرت أخيراً أن عمليات التهجير من مزيارة كانت بمثابة «عقاب جماعي» بسبب الجنسية والهوية، ولا دخل لها بأي اعتبارات قانونية أو أمنية أو اقتصادية. ركزت فرنجية، على خلق عملية التهجير، معاناة جديدة للاجئين بعيشهم المأساة نفسها للجوء الأول وهروبهم من نيران الحرب في بلادهم، مع التأكيد على أنّ عملية التهجير، لن تساعد في العودة في ظل غياب القرار السياسي، بل ستشتت «فئة هشة»، وتفقدها مسكنها وتخرج أطفالها من المدارس لتبحث من جديد عن سبيل للعيش.
هذا الكلام المنطقي العقلاني، يغيب كلياً عن النقاش الإعلامي المطلوب، لصالح خطاب تحريضي يحمل الكراهية، والبغضاء، ويسهم في تأجيج الشارع اللبناني. على سبيل المثال، صبت حلقة «علم وخبر» (إعداد وتقديم غادة عيد) يوم الأحد الماضي على mtv، في هذه الخانة. إذ استضافت عيد رؤساء بلديات بلونة، طرابلس، مزيارة، عين الريحانة، للوقوف على «الإجراءت» التي اتخذوها حيال الوجود السوري في بلداتهم: من منع تجول ليلاً الى وضع كاميرات مراقبة (على حساب البلدية)، وإقفال البوابات بعد الساعة 7 مساء، ومنع مرور «الديلفري»، إلا من قبل عمّال لبنانيين. في هذه الحلقة، بدت البلديات كأنّها في حال يرثى لها، تواجه «غول اللجوء» وحدها، وتستنجد بالدولة وبأجهزتها الأمنية للمساعدة. ختمت غادة عيد حلقتها بالقول: «كفى اللبنانيين عذابات، وصلباً بأكثر من مكان»، لتسدل النقاش على وجهة نظر واحدة، تعزّز خطاب التقسيم، والكراهية، وتغيّب الحقيقة والتعاطي المهني والصحيح للإعلام في لبنان.