هل من الطبيعي مساءلة دويري عن ملفه الإسرائيلي؟ أم أن في الأمر تحريضاً عليه ومصادرة لحريته؟
أعتقد أن المشكلة هي في توقيت طرح موضوع تصوير زياد دويري فيلمه السابق («الصدمة») في تل أبيب والأراضي الفلسطينيّة (لست مع تسمية «دويري وملفه الإسرائيلي» كأننا نتكلم عن عميل صهيوني) بعد خمس سنوات، خاصة أنه عاد إلى الوطن وصوّر فيلماً جديداً حاز فيه كل التراخيص اللازمة منها التصوير في قصر العدل في بيروت. كان يجب طرح السؤال مباشرةً عند عودته للتحضير لفيلم «قضيّة رقم 23».

هذا لا يعني أن فيلم «الصدمة» لم يطرح عندي تساؤلات حول ضبابيّة الموقف من القضيّة الفلسطينيّة ودفعني إلى قراءة كتاب ياسمينة خضرا الذي اقتُبس منه الفيلم لأجد أن الفيلم يبقى أفضل من الكتاب، ولكنّه يطرح أسئلة كبيرة: هل يمكن أن نبجّل الفرد وننسى الجماعة التي ينتمي إليها، والتي هي ضحيّة مزمنة للاستعمار وجميع ممارسات الاحتلال؟ وبالمقارنة مع العديد من الأفلام التي أخرجها سينمائيون فلسطينيون من الداخل على أرض الواقع ومع ممثلين إسرائيليين، لم تكن هناك النظرة النقديّة الكافية واللازمة تجاه واقع الاحتلال. فلتكن المساءلة من خلال مناقشة الفيلم ومدى خدمته للقضية الفلسطينية ولتأتِ بعدها المسائل المتعلّقة بظروف ومكان التصوير وخرق القانون اللبناني التي على الجهات المختصّة البتّ بها بعيداً عن التخوين وتعريض حياة صاحبها للخطر.
إن فيلم زياد دويري الجديد «قضيّة رقم 23» فيلم محوري في تاريخ السينما اللبنانيّة الحديثة كما كان فيلمه الأول «بيروت الغربيّة» (1998) وأكثر من حيث إتقان جميع العناصر السينمائيّة من كتابة وإخراج وإدارة ممثلين وإيقاع. ويفتح نقاشاً كبيراً وأساسياً حول الحرب الأهليّة التي ما زالت كل عناصرها شبيهة على أرض الواقع كما كان الحال سنة 1975. لنناقش من خلال هذه الأفلام تاريخنا الحديث والمحظورات لأننا نعرف جيّداً أننا لن نتوصّل يوماً إلى كتاب تاريخ موحّد.