أثار كتاب «خرافة الفردوس الأندلسي - مسلمون ومسيحيون ويهود تحت الحكم الإسلامي في إسبانيا القرون الوسطى» (isi books, wilmington ــ 2016) عند صدوره ردود فعل وتعليقات كثيرة، منها ما هو مثمن له وأخرى ناقدة، ولا عجب.
الكاتب، داريو فرنندز- مُرِرَ ذكر أن هدف مؤلفه هو إزالة الوهم عن إسبانيا المسلمة عبر مساءلة القناعة المنتشرة على نحو واسع بأنها كانت مكاناً رائعاً للتسامح وتعايش ثلاث حضارات تحت سيادة الحكام المسلمين المتنورين والمطبوعين على حب الخير.
الوصول إلى هدف المؤلف يقتضي ـــ دوماً حسب الكاتب ــ تسليط الضوء الكاشف على خصوصيات أو مميزات الثقافات القروسطية. خصّص الكاتب الفصلين الأولين «احتلال واحتلال معاكس» و«تأثيرات الجهاد وتدمير الحضارة الناشئة [في إسبانيا]» للحديث عن كيفية احتلال قوى الإسلام إسبانيا واستعمارها، دوماً وفق مفرداته. هدف الفصلين إثبات أن الإسلام لم يحتل إسبانيا سلمياً، ويناقش قول بعض المستشرقين بأنّ العملية لم تكن احتلالاً وإنما موجة هجرة، وينقضه مشيراً إلى اكتشافات أثرية في برقة تبين أن المسلمين عملوا على تدمير الكنائس التي وقعت في طريقهم إلى الأندلس.

من منظور الكاتب، فإنّ المسلمين غزوا البلاد بقوة السلاح لهزيمة مقاومة القوط (visigoth)، من دون نفي حصول عقود للاحتلال السلمي مقابل معاملة السكان ذميين. لكن ما دفع بعضهم إلى قبول الاحتلال السلمي، هي القوة العسكرية التي كانت وراءه، دوماً حسب الكاتب.
أما الفصول الخمسة المتبقية، فهي التالية: «حقائق الحياة اليومية في الأندلس»، «خرافة التسامح الأموي: محاكم التفتيش، قطع الرؤوس، الخوزقة، والصلب»، «المرأة في إسبانيا المسلمة: الخفاض، الرجم والحجاب والعبودية الجنسية»، «حقيقة العصر الذهبي لليهود»، و«أوضاع المسيحيين: من الذميين إلى الإبادة». هدف هذه الفصول الإضاءة على مسائل ندر ما تم التعامل معها في الأبحاث ذات العلاقة، وهي الاضطهاد الحضاري في مناحي الحياة كافة، وتهميش مجموعات بأكملها بهدف السيادة التامة على البلاد، برأي الكاتب.
من ناحية أخرى، يشدد الكاتب على استعمال الاسم إسبانيا وليس إيبيريا الذي ساد في الأندلس، موضحاً أنّ الاسم الحالي كان مستعملاً في الماضي ويمكن العثور عليه في كتابات الإخباريين العرب، رغم عدم نفيه إمكانية أن اسم البلاد الحالي مشتق من القرطاجية، أي «الكنعانية»، ربما من الجذر الكنعاني «سبان» الشمال- إفريقي أو ما يسمى البوني، بمعنى الخفي أي: البعيد.
كما يناقش الكاتب ما يراه من أسباب لتجنب المستشرقين الخوض في هذه المسائل ويعيدها إلى أسباب عديدة منها ما أطلق عليه «العمى بدافع» motivated blindness، أو «براءة المثقفين» أو البحث العلمي الزائف أو الرديء من بعض الأساتذة والصحافيين. وفق الكاتب، فالمجتمع الأندلسي كان متعدد الثقافات بفضل سلطة الأوتوقراطية ورجال الدين التي لا تعرف الرحمة، فحطمته الصراعات الإثنية والدينية والاجتماعية والسياسية.

تجاهل الكاتب حقيقة طرد المسلمين واليهود بعيد سقوط غرناطة

كما يدين الكاتب البحاثة، متهماً إياهم بإهمال العامل الديني المحرك للفتوحات، أي الجهاد. يذكر على سبيل المثال أن الأندلس كانت دار جهاد وفي حالة حرب مستمرة مع جيرانها. على سبيل المثال خلال فترة حكم هشام الثاني، أنجزت 56 غزوة، وفي عام 985 على برشلونة تم أخذ 75000 أسير معظمهم من النساء تم بيعهن في قرطبة للاستمتاع الجنسي.
في مقدمة المؤلف، يشير الكاتب إلى مجموعة من المستشرقين الذين عبروا عن آراء مخالفة لما يرد في مؤلفه، فانتهى الأمر بهم إلى الضياع، ومنهم على سبيل الذكر عادل تيودور خوري ورُبِرتُ مَتَّاي وألفرِد مورافيا والفرنسي سِلفان غوغنهايم صاحب مؤلف aristote au mont Saint Michel، منوهاً إلى إخفاقهم في نشر أعمالهم عبر دور نشر أكاديمية، ذاكراً بالتفصيل تأثير الدول العربية والإسلامية، ومنها السعودية والإمارات وقطر وليبيا وتركيا في دور النشر الأكاديمية وفرض رقابة على إصداراتها. وهنا يجلب مثل تحدي «جامعة ييل» الأميركية للرقابة وقرارها إصدار مؤلف يحوي الرسوم المسيئة للنبي العربي، فكانت النتيجة أنها أصدرتها، لكن من دون الرسم سيئ الذكر.
لكنه يتعرض في بعض التفاصيل إلى الحملة على الباحث الفرنسي، ويذكر أن 56 باحثاً علمياً متخصصين في الفلسفة والتاريخ نشروا رسالة مفتوحة في صحيفة «لِيبراسيون» الفرنسية، يهاجمون العمل وصاحبه الذي خصّوه بكثير من النعوت.
اعتماداً على مؤلفات البحاثة آنفي الذكر، يشدد الكاتب على عدم صحة القول إن الحضارة اليونانية فُقدت وأن العرب اكتشفوا الكتابات العلمية والفلسفية وأحيوها عبر الترجمة. ويشير إلى حقيقة أن الترجمات أنجزها عرب مسيحيون سكان البلاد التي فتحها الإسلام، وأن قبة الصخرة بناها المسيحيون. كما يذكر بالعلاقة أن كتابات أرسطو ترجمت في «دير مون سان ميشيل» (abbey of mont saint-michel) قبل الترجمة العربية، وبالتالي لم يكن ثمة انقطاع بين أوروبا والحضارة اليونانية، وأنه لم توجد حاجة لظهور الإسلام على المسرح العالمي لإنجاز ذلك!
من المآخذ على المؤلف تصوير الكاتب إسبانيا الكاثوليكية القروسطية كأنها تشبه سويسرا الحالية وتجاهله حقيقة طردها المسلمين واليهود بعيد سقوط غرناطة.
يضاف إلى ذلك ارتكاب الكاتب أخطاء بخصوص مسألة اللغات، إذ ادعى أن القوطية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باللاتينية! كما أُخذ عليه الاستطالة في الكلام عن الجهاد والادعاء بأن كل نتاج الحضارة الإسلامية سيئ ما يوحي بقوة بوجود أهداف للعمل لا علاقة لها بالبحث العلمي.
كما لام أحد المعلقين عدم نشر العمل في دار أكاديمية إنما عبر منظمة سياسية يمينية.
أخيراً، يقول الكاتب إنّ مؤلفه، الذي يعتمد على نحو رئيس على المصادر الأولية، يتفحص التمظهر الثقافي للمسلمين واليهود والمسيحيين في إسبانيا المسلمة بهدف تسليط الضوء على بنية المجتمع الذهنية وتمثيله الجماعي. لكنه في الوقت نفسه يشدد على نفيه أنّ هدفه الحكم على مسلمي ويهود ومسيحيي عصرنا، ولا يؤيد صراع الحضارات، كما أنّه لا يسعى لبناء جسور بينها.