كان الخيار صعباً أوّل من أمس. صابر الرباعي أم ناصيف زيتون؟ النجم التونسي المكرّس حلّ في ضيافة عادل كرم في برنامج «هيدا حكي» على mtv، تزامناً مع استقبال هشام حدّاد الفنان السوري الشاب في «لهون وبس» على lbci. كان من الطبيعي أن ترجح الكفّة بداية إلى صابر. كيف لا، وهو صاحب صوت يُطرب الآذان، وترجع خبرته الفنية إلى قرابة 30 عاماً؟
غير أنّ أسلوب عادل كرم الثقيل الظلّ، وأسئلته السطحية ورتابة الحلقة، أصابت المشاهد بالملل. صحيح أنّ الأسئلة على شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» لم تكن أفضل، إلا أنّ الأجواء كانت مفرحة، علماً بأنّ هذا كان هدف هشام حدّاد منذ البداية، إذ أكد للمشاهدين أنّ اللقاء سيكون أشبه بـ«عرس».
وإذا أردنا الابتعاد عن لعبة الرايتينغ والأرقام، تثبت مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً تويتر، صحة هذا الكلام. فقد تصدّر اسم ناصيف زيتون قائمة الهاشتاغات الأكثر تداولاً، مسجّلاً 3,384 تغريدة حتى كتابة هذه السطور.

أكّد مساهمته في فك
الحصار عن الفلسطينيين

مع ذلك، قد يدفع الفضول بكثيرين إلى متابعة حلقة «أمير الطرب العربي» الذي سيحيي حفلة رأس السنة في بيروت. وكما كان متوقعاً، أتى الحديث على الصورة التي التقطها الرباعي في آب (أغسطس) الماضي مع ضابط ارتباط إسرائيلي أثناء مغادرته «معبر اللنبي» (بين الأردن وفلسطين)، مولّدة موجة انتقادات كبيرة. الصورة التقطت في الفترة التي قصد فيها الرباعي الأراضي المحتلة لإحياء حفلة في مدينة «الروابي» في الضفة الغربية المبنية على شكل مستوطنة إسرائيلية.
سبق أن برّر الرباعي خطوته التطبيعية المستهجنة في حديث إلى الإعلامية اللبنانية نسرين ظواهرة في برنامجها «عَ البكلة» (الثلاثاء ــ 22:30 على «الجديد»). يومها، أكد أنّ الموضوع «انتهى»، متحدثاً عن «صحافة مأجورة» تنتقده، من دون أن تكلّف مضيفته نفسها عناء المساجلة، بل شددت على أنّ مهاجمي الرباعي هم «أعداء النجاح». هذا المديح المجاني، اعتمده أيضاً عادل كرم طوال الحلقة، وخصوصاً أثناء التطرّق «لمرّة واحدة وأخيرة» إلى الصورة التي كان لا يزال محبّو صابر ينتظرون أن يشرح ملابساتها أو ربما يعتذر عنها.
«صاير عميل؟». بخفة دم مفترضة، استهل عادل كرم الحديث، قبل عرض تقرير من إحدى نشرات أخبار mtv يتناول «تحدّي صابر الرباعي للعالم عبر إحياء حفلة في فلسطين»، متسائلاً عما إذا كان «فنانو العالم العربي سيحذون حذوه» في الغناء هناك. حالما انتهى عرض المقاطع المصوّرة، علّق صابر: «عندما ترى هذا التحدي والجمهور والفرحة... هل هذا يسمّى تطبيعاً أو عمالة؟». وتابع إنّ الرجل الذي التقط الصورة معه، المدعو هادي الخطيب، «قدّم لي تسهيلات على المعبر، كي لا أتعطّل وأنتظر كثيراً، في سياق التنسيق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي».
في هذا السياق، حاول تحجيم تهمة التطبيع التي وُجّهت إليه، موضحاً أنّ الخطيب كان «يتحدّث العربية وباللهجة الفلسطينية، وهو من عرب أراضي الـ 48». وتابع بكل ثقة وبلهجة مستهزئة: «لم يصل بي الغباء إلى درجة التقاط صورة مع شخص يتحدّث العبرية». المفاجأة لم تكن في طريقة التبرير الساذجة فحسب، بل أيضاً بتأكيد الرباعي أنّ المشكلة ليست في الصورة بل في «القراءة المتسرّعة التي تستسهل التشكيك في الأشخاص وتُطلق الاتهامات جزافاً. مَن تحرّكوا هم كارهو وحسّاد صابر الرباعي، لكن من يعرفونني ويدركون قناعاتي جيّداً والتحدّي الذي قمت به، يدركون قيمة التعب الذي تكبّدته في الذهاب من تونس إلى فلسطين لأساهم في فك الحصار عن هذا الشعب الذي يحق له العيش والفرح».
ليس هذا فقط: لقد راح «أبو إسلام» يعطي دروساً في الوطنية لكل من انتقدوه وهم جالسون على الأريكة أو وراء اللابتوب، طالباً من الناس «الذهاب إلى هذا الشعب للمساعدة في فك الحصار»، قبل أن يخلص إلى أنّ «هذا ما أراد الصهاينة الوصول إليه. أرادوا أن يؤكدوا للفلسطينيين أنّ هذا الفنان الذي فرحتم به، سيكون الأخير الذي يأتي إليكم». طبعاً، لن يخطر في بال الرباعي أنّ إسرائيل تعمل بشكل ممنهج على استقطاب نجوم عرب ذائعي الصيت للغناء في الضفة الغربية، بهدف تجميل صورتها وإلهاء العالم عن بطشها وإجرامها.
في النهاية، كان لا بد من تعليق من مقدّم «هيدا حكي» الذي تعامل مع الموضوع باستخفاف شديد. طلب عادل كرم من كل «أكيلة الهوا» أن يتوقفوا عن «المزايدة»، مؤكداً أن القصة «خلصت»، مستخدماً كلمته الشهيرة «غالوبس»!
كل ما سبق، إنّما يدل على غياب حقيقي للوعي إزاء القضية الفلسطينية ومفهوم التطبيع، ليس فقط من فنان صف أوّل بحجم وقيمة صابر الرباعي. لعلّه بات على حملات المقاطعة حول العالم البحث عن أسلوب جديد في العمل على الأرض لتثقيف الناس تجاه هذه القضية الحساسة والمصيرية.