مرّ مرور الكرام ظهور مدير مكتب «الميادين» في فلسطين، ناصر اللحام، على القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي. الصحافي المخضرم، الذي وصفه الإعلام العبري بـ «المقرب من أبو مازن»، ظهر يوم الأحد الماضي، ضمن تقرير لهذه القناة (ثلاث دقائق) كانت تستصرح فيه آراء الفلسطينيين حول قرار الأمم المتحدة الأخير عن الاستيطان.
ليس هذا فحسب، بل نشرت وكالة «معاً»، التي يتولى إدراتها اللحام، أخيراً خبراً على صفحتها على فايسبوك يحمل في طياته «بروباغندا مصطنعة» في إعادة تكرار ما قاله الصحافي الفلسطيني على القناة العبرية، جاء فيه: «هذا وعد، نحن أصحاب البدلات وربطات العنق، سنسحب جنرالات إسرائيل إلى محكمة الجنايات ونضع الكلبشات بأيديهم».
ربما أضاعت هذه العبارة الرنّانة الفرصة أمام الجمهور «الفايسبوكي» العريض للّحام، في خوض نقاش حقيقي حول عملية التطبيع الواضحة وغير المبررة، و«توريط» اسم قناة حملت دوماً شعار فلسطين قولاً وفعلاً في زمن تخاذل الإعلام العربي عن مواكبة القضية الفلسطينية وتغطية انتفاضاتها المستمرة.
وجب التوقف عند ما فعله اللحام ليس بصفته مديراً لمكتب «الميادين» هناك فحسب، بل أيضاً عند استسهال التطبيع من قبل وجه إعلامي بارز رغم كل الانتقادات الموجهة إلى أدائه السياسي والإعلامي المزدوج من جهة، وأداء وكالة وفضائية «معا» من جهة أخرى. أمر يوسّع الباب، الذي بات مفتوحاً للتطبيع، تحت عنوان إيصال رسائل إلى الطرف المقابل (العدو الإسرائيلي).

أطلّ على القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي


واللحام، الشهير بالترويج للسلطة الفلسطينية بما يخرج أداءه وعمله حتماً من الإطار المستقل الذي ظهرت به «معا» في بداية عملها، هو الأكثر تنظيراً بين الإعلاميين الفلسطينيين لفكرة «الإنزال خلف خطوط العدو»، وتشبيه التواصل مع الإعلام الإسرائيلي ضمن هذا العنوان غير المنطقي!
وفضلاً عن السقطات الإعلامية الكبيرة لـ «معا» وتغطيات اللحام خلال حرب 2014 وتقديمه معلومات غير صحيحة إلى الجمهور أكثر من مرة، فإن الإشكالية الكبرى في مشروعه أنّه يمثل ذراعاً من مشروع متكامل بدأته السلطة (2004 ــ 2005) بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات. وكان رئيس السلطة الحالي محمود عباس يشكّل الذراع السياسية من هذا المشروع، فيما مثل رئيس الوزراء السابق سلام فياض الذراع الاقتصادية والحكومية، في حين أن الذراع الإعلامية ــ إلى حد كبير ــ أوكلت إلى اللحام نفسه، الذي عمل على صهر القنوات والإذاعات المحلية التي كانت الظروف الاقتصادية وضغوط الاحتلال قد أنهكتها، وجمعها جبراً وطوعاً تحت مسمى «شبكة معا الإخبارية»، ثم ترأس مجلس إدارتها، وفق مصادر فلسطينية مطلعة.
لا تخفي الشبكة أنها تتلقى تمويلاً أوروبياً تحديداً من الممثلية الدنماركية ونظيرتها الهولندية لدى السلطة، لكنها حالياً ــ وفق المصادر نفسها ــ تتلقى تمويلاً أميركياً، وكذلك من «مركز بيريس للسلام» والخارجية البريطانية، فضلاً عمما تقدمه السلطة إليها (عبر وزارة الإعلام)، علماً بأن الأخيرة لم تستهدف أياً من مكاتب عمل الشبكة في ظل موالاتها لها.
وبالعودة إلى قانون العمل في «الميادين»، فإنه من المحظور على أي عامل في القناة الظهور على شاشة إسرائيلية، فضلاً عن استضافة شخصية إسرائيلية على الشاشة التي تصنف على أنها مقاومة ومعبرة عن إرادة الشعب الفلسطيني.
والمشكلة ليست في أنّ هذا التصرف يأتي في سياق منفصل، رغم أن للّحام سوابق في ذلك ــ هذه هي المرة الأولى التي يفعلها في ظل عمله مع «الميادين» ــ إنما في أن فعلته تأتي في زمن توسّع التطبيع العربي مع الصهيونية فكراً ودولة، وتجميل صفحتها الدموية الوحشية، وفي زمن تورط قنوات عربية ولبنانية في هذا التطبيع، إلى جانب الترويج للعدو الإسرائيلي عبر قنوات عدة، من دون أي محاسبة أو مساءلة.
الأكثر خطورة مرور هذا التطبيع كأنه عادي، وهو ما يضع قناة «الواقع كما هو» أمام توضيح واجب عمّا حدث. وإذا كانت هناك حسابات أخرى، فلتعلنها المحطة، لأن استمرار هذه السقطات سيودي باسم «الميادين» الذي يجهد فيه الزملاء وجمهور كبير، ويعطي لأعدائها فرصة النيل منها بكل سهولة.
(الأخبار)