تتفاقم الصور الفانتازية، وتنقلب مقاييس الزمن، والأدوار الجندرية الراسخة في أعمال آلان فاسويان (1966). كل هذا تحت عنوان سهل ظاهرياً هو الطفولة. في السابعة من عمره، رأى الفنان اللبناني تمثالاً للإلهة فينوس مكسّراً ومشوّهاً، وبلا يدين.بعد سنوات طويلة، سيجيء فاسويان بفينوس ومفاهيمها واثقالها الميثولوجية إلى عالمه، ضمن حوار يقوم به الفنان مع فاسويان الطفل وانطباعاته الخائبة في ذلك الوقت، التي تحاكي زمن غياب المعجزات. هنا ستلتحق إلهة الحب والجمال لدى الرومان، بمنحوتات فاسويان. دُمَاه المضطربة إذا أردنا أن نكون أكثر دقة. الدمى الملونة التي تكتنز سخرية، تمتزج فيها الحيوانية والبشرية، ويتحول فيها الإنسان إلى كائنات صغيرة تشبه الجنود الألعاب ضمن أسلوب تسطيحي وفكاهي.

«غاليري جانين ربيز» تحتضن محاولاته لـ «إعادة بناء فينوس»، عنوان معرضه الفردي الجديد الذي يستمر حتى 7 تموز (يوليو). بعد «مدينة دجوجو» (2009)، و«متاهات الطيور» (2011)، التي صنع منها مدينة تحت المياه، يواصل فاسويان ممارسته النحتية الكاريكاتورية، التي تبدو كغطاء سوريالي لمقارباته المعاصرة، من اللجوء إلى تجسيدات المرأة، من خلال خلخلة ما يجترّه الدين والميثولوجيا منذ آلاف السنين.
عند مدخل المعرض، صنع فاسويان فينوس المبتورة من الراتنج والخشب، بجسد ضئيل وأحمر يحيل إلى الأحجار الثمينة. يرافقها من الخلف خيالان مع حصانيهما، أو مع دراجتيهما الناريتين. يلهو فاسويان بصرياً بمواده، وبتجسيداته بين المتجذر من التاريخ وسردياته والزمن الحالي. سيعبث بإلهة الحب والجمال الرومانية ويمرغ وجهها بعادية المرأة المعاصرة وممارساتها اليومية.

كل المفاهيم الأنثوية المكتملة، تغيب عن فينوساته، في محاكاة للتشويه الذي لحق بفينوس الطفولة، والاكتمال الذي يغيب عنها، وخروجها من هذا الإطار الجامد. لا قدرات خارقة هنا. يقدّم فاسويان تجسيدات ووضعيات وحالات مختلفة لفينوس، امرأته أو دميته المسرفة في العادية، التي يوازيها أسلوبه البسيط والمطمئن الذي يجعل من منحوتاته سطحاً أملس، وخالياً من التفاصيل. الجذع البرتقالي، والتنورة الزرقاء، واليد الخضراء، والقدمان واحدة حمراء وأخرى صفراء. يصل فاسويان أعضاء نسائه على الملأ، مبالغاً بالإشارة إلى هذا التركيب العلني، الذي يتحوّل إلى سخرية. سخرية تجرد فينوس من ألوهيتها.

المسيح يتلقى
الصواريخ بينما يستعين
بسبايدرمان لمرافقته

إنها امرأة تركض، وترقص الهيب هوب، وتطلق الرصاص في الهواء، وتحمل صخرة على كتفها، كما أن الكدمات تصيب قدميها، في دلالة إلى انشغالاتها الحالية؛ «فينوس الراكضة»، «فينوس المتحركة»، «فينوس النرجسية»... ليس هناك ما يميز كل عمل بمفرده، إلى درجة أنها قد تثير الخفة التي تتركها الأعمال والتحف الاستهلاكية، المصنوعة كي تركن على طاولة في أحسن الحالات. فينوساته تكتسب أهميتها من اجتماعها معاً في الغاليري. إذ أن الشكل الموحّد لكل الفينوسات، مقابل تغيّر وضعياتها يصنع حركية ما شبيهة بالرسوم المتحرّكة. كأن فينوس، التي تخفي أنوثتها، تنتقل من وضعية إلى وضعية بمفردها على شاشة واحدة. أسلوبه النحتي البسيط، يجعلنا نصدّق أن ما نراه هو منحوتات مصنوعة من الطراوة، إلا أنّها مصنوعة من الفولاذ والراتنج والخشب. وسط هذه المعروضات، تقف فينوس، أكبر حجماً، متنكّرة بقطّة. يتطلب الكائن الهجين، تدقيقاً لمعرفة أن هذه القطة ليست سوى فينوس نفسها، تحمل بيدها لافتة تحذرنا No Venus. لكن هل نحتاج إلى هذا التحذير، الذي وصلنا مسبقاً من نسائه الـ 14 نفسها، بتخليها الصاخب عن ممارسات فينوس الأم؟ في القسم الثاني من المعرض، يبني فاسويان عالماً مفترضاً يتداخل فيه الزمن في كوكبي الأرض والزهرة (فينوس). يتخذ فاسويان من هذا الاختلاف الزمني مدخلاً لتظهير أزمة اللجوء العالمية. المسيح يجلس في طائرة. وجوهه المكررة تلتصق على الطائرة في كولاجات، ورسومات مع أكريليك أسود. في لوحات أخرى من المعرض، يرسم فاسويان ببدائية طفولية بأقلام التلوين الخشبية المسيح وهو يواجه قضايا اليوم، في تهكّم على عصر لم تعد تنطلي فيه المعجزات على أحد. المسيح يتلقى الصواريخ بينما يستعين بسبايدرمان لمرافقته! رغم أن النتيجة الظاهرية لا تلبي تطلعات الفنان ومقاصده أحياناً، فإن فاسويان ربما لا يتوجّه إلا إلى شخص واحد، وهو الطفل الذي رأى فينوس مشوّهة في وقت مبكر.

* «إعادة بناء فينوس» لآلان فاسويان: حتى 6 تموز (يوليو) المقبل ـــــ «غاليري جانين ربيز» (الروشة ــ بيروت).
للاستعلام: 01/868290