لم يعرف علاء الدين سليم سينما المؤلّف مبكّراً. نشأ على «فيلم السهرة» التجاري، الذي تشاهده معظم العائلات في البيوت. في سنّ الـ 19، بدأ الاختلاف. تعرّف إلى كبار الشاشة. احتكّ بصنّاع من تونس وخارجها، أثروا وعيه ومعرفته. وُلِد في سوسة، على سواحل الشرق التونسي عام 1982.
درس في المعهد العالي لفنون الملتميديا بين عامي 2001 – 2004. بعد عام، أسّس Exit Productions مع علي حسّونة، التي أنتجت العديد من التجارب الأولى لمخرجين تونسيين، ضمن السينما المستقلّة. انهمك مبكّراً بهاجس الهجرة غير الشرعية، منجزاً شريطاً قصيراً بعنوان «خريف» (2007). طار إلى فرنسا، ليحقق قصيراً آخر هو «ليلة من الليالي» (2008). أتبعه بـ «الملعب» (2010)، والوثائقي الطويل «بابل» (2012)، بالشراكة مع إسماعيل الشابي ويوسف الشابي. اشتغل عدّة مشاريع فيديو آرت، منها سلسلتا «يوميّات رجل مهم» و«يوميّات امرأة مهمّة»، بين عامي 2010 – 2011. في عام 2014، عاد إلى فكرة قديمة عن اللجوء والهجرة غير الشرعية، ليكون «آخر واحد فينا» (2016) أوّل أفلامه الروائية الطويلة. كذلك، أسهم سليم في أفلام سواه. عمل في بعضها مراقب صورة، إضافةً إلى المشاركة في الإنتاج. «الأخبار» التقت علاء الدين سليم، بعد عرض فيلمه ضمن «أيام بيروت السينمائية 2017»




■ لنبدأ بالسؤال التقليدي: كيف تشكّلت فكرة «آخر واحد فينا»؟ وكيف اشتغلت عليها؟
الفكرة قديمة. أعيشُ في حيّ، تقطنه الطبقة الوسطى في تونس. حكايا الهجرة غير الشرعيّة منتشرة بكثرة. كثرٌ حلموا، وجازفوا في سبيل حياة أفضل. منهم من لقي حتفه. منهم من عاد نتيجة الإحباط وخيبة الأمل. ثمّة من اختفى تماماً. لطالما تساءلت عن هذا الجسد المفقود: كيف ذهب؟ ماذا قابل خلال الرحلة؟ من العبث أن يموت شخص في سبيل الانتقال إلى مكان آخر. هذا غير معقول. «نون» (الشخصية الرئيسية في الفيلم ـ يؤديها فنان الشارع جوهر السوداني المعروف بـ «فـاجـو») كان تونسياً بادئ الأمر. بعد تصوير «بابل» في مخيّم للاجئين جنوب البلاد، التقيتُ بالكثير منهم. قرّرت أن يصبح شخصاً من جنوب الصحراء، يعبر الجغرافيا كلّها نحو الشمال. وسّعتُ المجال، لأنّ السينما كوكب قائم بذاته. فلتكن قصّة عن إنسان من هذه المنطقة، تصلح لأيّ مكان في العالم. حققتُ أفلاماً أخرى عبر السنوات، ثمّ عدتُ إلى «آخر واحد فينا» عام 2014، بالتعاون مع عدد من الأصدقاء المتحمّسين للمشروع.

■ يبدو أنّك تحدّثت عن اللجوء، قبل أن يصبح ظاهرة بعد «الربيع العربي». هل بات الفيلم راهناً أكثر بعد صدوره؟
بالتأكيد لم أتوقع ذلك. بعد «الربيع العربي»، نُسفَت بلدان بالكامل. انظر إلى ليبيا المشرذمة اليوم. الحكومات لا تكترث لشعوب، تتوسّل حقّها البديهيّ في الحياة. هذا ما حصل للأسف.

■ يبدو أنّك تكتشف الفيلم وتتلمّس وجهه أكثر أثناء صناعته. إلى أيّ درجة تهتمّ بالتحضير المسبق؟
أنتج «آخر واحد فينا» بإمكانيّات متواضعة. كان تمريناً هاماً بالنسبة لي حول التأقلم مع الإنتاج المتقشّف.
اشتغلنا كأصدقاء، دون الاكتراث لتسميات المخرج والتقني وما شابه. صحيح أنّ القرار الأخير يرجع لي، لكنّ آراء الفريق كانت هامّة جداً. الشريط اكتمل بالحب. كنّا نتعب طوال اليوم، ثمّ نضحك في آخره.

السينما التونسيّة الجديدة
بدأت قبل الثورة


مسار الفيلم واضح منذ البداية، لكنّه طريق سيّارة، يمكن أن نقود «زكزاك» أثناء قطعه. نتكيّف مع ظروف المال، والطقس، والطاقة البشريّة، والأحداث الطارئة. دعني أكون أكثر صراحةً. لا تهمّني دقة التصوّر المسبق، أو كيف يجب أن تكون الأمور. هناك تحضير بالتأكيد، ولكن هناك الكثير من التكيّف والتفاعل والانفتاح على الأفكار الخلّاقة. إذا كنت أعرف الفيلم مسبقاً، لمَ أصنعه؟

■ بالنسبة إلى الأشكال الهندسية المرافقة لعبارات مكتوبة خلال الفيلم. ألم تخشَ أن تكون خارج مناخه أو أسلوبيّته؟
لا يهمّني ذلك. أردتُ وضعها وكفى. الأشكال لصديقي هيثم زكريّا. أنا معجب بعمله، وأردتُ إدخاله في الشريط. كما قلتُ، أنا أجرّب وأكتشف أثناء الصناعة، وأنا مشاهد الفيلم الأول.

■ إذاً، ينسحب الأمر على ضياع البطل، وانتهائه إلى الغابة. لم يعد فيلماً تقليدياً عن اللجوء...
بالضبط. أردتُ خلق عالم موازٍ، ومعالجة التيمة بشكل مختلف. لستُ باحثاً سوسيولوجياً، أو موظفاً في NGO. أنا سينمائي. أريد عرض الأمر على طريقتي.

■ 2016 كان عاماً نوعياً للسينما التونسيّة. هل ترى أنّ هناك موجة جديدة بعد الثورة؟
المنطقة العربيّة كلّها تغلي. هذا يعني سينما حيويّة وتفاعليّة بالضرورة. السينما التونسيّة الجديدة بدأت قبل الثورة، بالفيلم القصير (2004 – 2005)، تبعه الوثائقي (2009 – 2010)، ثمّ الروائي. لا أدري إن كان الأمر مرتبطاً بالثورة، ولكن لا شكّ في أنّ السينمائيين استفادوا من حراك طال مفاصل الحياة، بغضّ النظر أنّ شيئاً لم يتغيّر بعد رحيل بن علي في رأيي. ما زال الإحباط مسيطراً. بالنسبة لي، هذه السينما التي أريد صنعها، سواء هناك ثورة أم لا. ثمّة تنوّع جميل في السينما التونسيّة اليوم. كلّ صانع يقدّم رؤية أو جانباً مختلفاً.

■ هل بدأت باكتشاف المشروع القادم؟
أعمل على عدّة جبهات في آن. فيديو آرت، وإنتاج شريط وثائقي، كما بدأتُ بكتابة روائي جديد. لا أعرف عمّا سيكون بالضبط عند اكتماله.