ofra yeshua-lyth, politically incorrect: why a jewish state is a bad idea. skysraper, uk 2016. 378 pp.

الكاتبة «الإسرائيلية» افرا يشوا ـ ليث وهي من أصول أشكنازية روسية/ أوكرانية ومزراحية من اليمن، قالت: «الفلسطينيون كانوا يطالبون بإقامة دولة ديمقراطية علمانية، وكنت أردد دوماً إن هذا المطلب يعني القضاء على «إسرائيل». هذا صحيح أيضاً اليوم، لكنني مع هذا الهدف». في «اللااستقامة السياسية: دولة يهودية فكرة سيئة»، تستعرض أفرا الحياة في كيان العدو عبر استعادة ذكرياتها الخاصة وتفاعلها مع محيطها الاجتماعي والسياسي في فلسطين المحتلة. هذا المؤلف المثير يغطي دور الدين في الكيان الصهيوني، في مجالات الحياة كافة، من الطعام إلى اللباس إلى التعليم إلى الزواج إلى الموت وإلى الدفن. الصهيونية، من منظورها، ذات هدف علماني كما ورد في مؤلف هرتسل (altneuesland)، لكن «إسرائيل» دولة دينية، منذ البدايات. هي تلاحظ أن مشروع تأسيس الكيان السياسي في فلسطين لم يكن معنياً بالعرب اليهود، أو اليهود من البلاد العربية، الذين يعرفون بالصفة مزراحيم أو سفارديم.

فقط عندما سيطرت العصابات الصهيونية على فلسطين، صارت في حاجة إلى سكان فقررت الالتفات إليهم، وإن ما زالت تنظر إليهم على أنهم من طبقة دنيا: هم بولنديو العرب، تقول، كما كان يهود ألمانيا يطلقون على إشكناز أوروبا الشرقية اسم «يهود بولونيا». فهم، بنظرهم، من طينة دنيا متخلفة غير قابلة للتطور. في منظورها، كان يفترض أن تكون إسرائيل جنة في الشرق، لكنها أضحت تعمل بجد على جعل جيرانها لا يتمنون أمراً سوى توافر المزيد من «الانتحاريين». تعترف الكاتبة بأن الكيان اليهودي أقيم على أرض يملكها عرب، وتعيد سبب الطرد إلى الدور الأساس الذي يؤديه الدين في ذلك الكيان. على «اليهودي» عدم الاختلاط بغيره. هكذا هي تعاليم الهلاكة، أي تعليقات الحاخامات على التوراة والتلمود. من هذا المنظور، فإن اليهودية تعني الانفصال الذاتي الاختياري عن العالم، في زمن تحول فيه الأخير إلى قرية صغيرة. من يعزل نفسه في هذا العالم، فإنه يحول نفسه إلى دولة منبوذة. هذا هو وضع كيان العدو في منظور كل من يعرفه حقاً. فمَن مِن قادتها السياسيين والعسكريين، يجرؤ على مغادرة أراضي الدولة خوفاً من أن يلقى القبض عليه بتهمة ارتكاب جرائم حرب؟ الكاتبة معادية لليهودية، أو لنقل «معادية للدولة الدينية». وهذا يعني بالضرورة معاداتها لكيان العدو. ومن هذا المنظور ترى أن الطريق الوحيد للمضي قدماً نحو مستقبل أفضل للمنطقة، يكمن في الدولة الديمقراطية العلمانية، دولة لكل مواطنيها، دولة المواطنة. وتنظر في بنية مجتمع كيان العدو، فترى تركز الثروات في أيد قليلة وزيادة الفقر وتصاعد معدلات الجريمة والفساد، في كافة الطبقات آخرها ــ عند كتابة المؤلف ـــ فضيحة مياه الشفة الملوثة. تتابع الكاتبة الهجوم المستمر الذي تشنه وسائل الإعلام في الكيان على كل من لا يخضع لتعاليم الحاخامات، وتسجل أن اليهودية الأرثوذكسية هي اليهودية الوحيدة المعترف بها في الدولة، وهي التي تسن مختلف القوانين، ولا يسمح لكلمة غيرها من الطوائف اليهودية. واليهود الأرثوذكس يشنون الحملات المستمرة على الجيل المتماهي مع الغرب. الحاخامات الأرثوذكس يحتجون بأن كيان العدو أصبح نسخة عن أميركا. لذلك، فملابس الجينز ممنوعة شرعاً، حتى لباس الأطفال بدءاً من الثلاث سنين يفرضه الحاخامات الأرثوذكس.

منح المتدينون
أفضليات في مجالات الحياة كافة

الدولة التي تدّعي أنها علمانية وأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، تمنح المتدينين أفضليات في مختلف مجالات الحياة، في التعليم والمسكن والصحة والدخل والإعفاء من الخدمة العسكرية، وغير ذلك. على العلمانيين، بمعنى غير المتدينين، أن يدعموا المتدينين الذين لا يقدمون أي خدمة للبلاد أو للدولة. هؤلاء الأرثوذكس يعيشون في أحياء خاصة بهم ولا يسمح لغيرهم بالسكن فيها. تراهم يعايرون غير المتدينين الذين لا يلتزمون بما يفرضه الحاخامات من ملبس ومأكل (أهلاً في دولة داعش اليهودية).
الدولة التي أقيمت بهدف تحرير الإشكناز من أثقال الغيتو في أوروبا الشرقية استحالت غيتو. الفارون من جحيم الغيتوات والاضطهاد، أعادوا إنتاج أنفسهم في فلسطين، والاضطهاد الذي تعرضوا له صاروا يمارسونه هم على الآخرين [الذين ليسوا هم!]. فكرة المهاجرين الأوائل بخلق مجتمع مزدهر حر، ظلّت سراباً لأنهم ربطوها بالرؤية المسيحانية، فاستحالت الدولة كابوساً. تؤكد الكاتبة ــ وإن ليس بتعبيرات واضحة ــ أنّ اليهودية ديانة، لا قومية، وأن محاولة صهرها «اليهوديات» في يهودية واحدة، تعني الانعزال الاختياري، وبالتالي التحول إلى منبوذين في العالم القرية. «إسرائيل» غير قادرة على الاستمرار لأنها غير قادرة على استيعاب الآخر، غير اليهودي. حتى فكرة ما يسمى «حل الدولتين» هو حل عنصري: فليكن لهم دولتهم ولنا دولتنا. هذا ما يعنيه حل الدولتين الذي أخذ به اليسار الصهيوني ومنه «حركة السلام الآن» وحتى اليسار الراديكالي. هي دعوات انعزالية لا دعوات لإقامة السلام في فلسطين. رفض فكرة أو حلّ الدولة الديمقراطية العلمانية، يعني لدى بعضهم مؤامرة هدفها القضاء على الدولة اليهودية. هذا بالتالي يوضح أن اليهودية لا يمكن أن تكون ديمقراطية تعترف بالآخر متسامحة ومتعايشة مع محيطها. هي انعزالية، وهذا تحديداً ما تعنيه مقولة «الشعب المختار» ورفض التهود. اليهود «الأصليون» فقط هم الشعب المختار، وقد اختارهم إله التوراة يهوه ليتحملوا معه عناءه من البشرية وذنوبها. فكرة الانعزال والتفوق على الآخرين من صميم فكر الدولة اليهودية.
أُفرا كانت مخدوعة بالدعاية الصهيونية عن الكيان الناشئ عندما ولدت وتعلمت فيه، لكنها اكتشفت الحقيقة المرة بعدما صار لها أن تفكر على نحو مستقل وتتحرر من دعاية قادة الكيان. أدركت أن كل ما كان يقال عن علمانية الدولة والأمة اليهودية أمر غير صحيح، فصارت معادية لتلك التعاليم والشعارات البراقة الكاذبة.