«قلتها مراراً وأعيدها: «دار النمر» وأنشطتها هي هدية فلسطين وشعبها إلى لبنان وشعبه، وإلى العالم العربي وأهله». بهذه الكلمات بدأ رامي النمر رئيس ومؤسس «دار النمر» حديثه معنا.
منذ قرابة عام (الأخبار 7/6/2016)، تنشط الدار ضمن مبنى أثري كمسرحٍ وفضاء ثقافي جامع في قلب بيروت، وتحديداً في شارع كليمنصو. وها هي تعود مع مشروع «مداد» الذي «يتناول الخط كفعل ثقافي حضاري، خصوصاً أنه الفن الوحيد الذي يمكن اعتباره عربياً خالصاً» وفق ما يؤكد لنا النمر. تخبرنا مديرة الدار رشا صلاح أنّ المشروع لن يكون كعادة المعارض، بل إنّه يمتد على «ستة أشهرٍ كاملة، تتخللها أنشطة متعددة بدءاً من المحاضرات التي يقدّمها باحثون متخصصون في مجال الخط، مروراً بورشات تعريفية بالخط، وصولاً إلى الورش المتخصصة للمحترفين».
بدايةً، يتكوّن المعرض من «مجموعة رامي النمر الخاصة» وهو المعرض الأوّل الذي تقدم فيه الدار إحدى مجموعاتها. يشير النمر هنا إلى أنّ المجموعة «اقتناها على فترات متباعدة، وهي موجودة في عواصم وأماكن حول العالم، وأحياناً يستلزم إحضارها وتركيبها وترتيبها كي تصبح جاهزة للعرض وقتاً طويلاً». كالعادة يحضر السؤال الأول إلى الواجهة: ما الذي يدفع شخصاً في مثل الظروف الحالية التي نعيشها، إلى القيام بنشاطٍ ثقافي غير «مربح» والسير عكس التيار السائد. يعلّق النمر: «هذا هو دورنا الحقيقي، ومكاننا الطبيعي. نفعل ما يمليه علينا ضميرنا وواجبنا الوطني. علينا أن نذكر ونعيد التذكير بقيمة وأهمية هذه البلاد الحضارية، وإرثها وتاريخها الثقافي الذي يحاول كثيرون طمسه وتدميره فضلاً عن بيعه وتشريده».
من مقتنيات المعرض، يلفتنا عمل عبارة عن مصحفٍ مكتوب بخط اليد كتبه أميرٌ أفريقي يدعى أيوب سليمان ديالو أخذ أسراً وسيق «كعبد» إلى الولايات المتحدة الأميركية إبان تلك المرحلة التاريخية. كان ديالو يكتب طوال الوقت في أسره، وتبدو النسخة التي كتبها بخط يده شيئاً خاصاً من الجمال، خصوصاً لناحية الأخطاء والتصحيحات التي قام بها الأمير بذاته. النسخة كما الأمير وصلا إلى بريطانيا لاحقاً، وتحررا وتحولا إلى أيقونةٍ تاريخية. يتناول المعرض هذا «الكتاب» وقصته وصاحبه ضمن محاضرة متخصصة بعنوان «رحلة ديالو» يلقيها إيان فوستر (الثلاثاء 16 أيار/ مايو ـــ السابعة والنصف)، الذي عمل عليها وتخصص بها.

ندوات وورش مع
خطاطين واختصاصيين، وعرض خمسة أعمال مكلفة أنتجها فنانون معاصرون

يتناول المعرض مقتنياتٍ، ولوحاتٍ، ورسومات خطوطية كما أشرنا من مجموعة النمر عمل عليها واختارها شخصان هما ألان فؤاد جورج، ورايتشل ديدمان (القيمة على المعارض في «دار النمر»). وكان جورج المحاضر في الفن الإسلامي في «جامعة أدنبره» وديدمان توليا اختيار اللوحات التي وجدا بأنّها مناسبة للمعرض، خصوصاً أن مجموعة رامي النمر أكبر مما سيعرض بكثير. يؤكد النمر: «المجموعة كبيرة، لذلك احتجنا إلى أشخاص يستطيعون القيام باختيار المناسب للمعرض بحد ذاته ولفكرته وانسيابيته».
بدورها، تشرح لنا خبيرة الفن الإسلامي البريطانية رايتشل ديدمان عن كيفية ترتيب اللوحات والمعروضات والمقتنيات: «سيكون البعد التاريخي موجوداً بالتأكيد؛ لكن هذه المرة الأمر أعقد بكثير. سنتناول الأمر بطريقة مختلفة، فنحاول تقريب المعروضات بدمجها جميعاً مع بعضها. هناك أماكن في المعرض حيث سنسمع موسيقى مختلفة، وهناك أماكن ستخصص لعروض الفيديو والأفلام القصيرة التي صوِّرت خصيصاً لهذا النشاط. أما في الطابق الثاني، فسنجد مجموعة من مشاركات فنانين لبنانيين معاصرين هم مروان رشماوي، ومنيرة الصلح، وروي سماحة، وجنى طرابلسي، ورائد ياسين أنتجوها بتكليف من «دار النمر» لتدرج في المعرض، إذ أنّها تجاور فكرته وتؤاخيها».
يتضمن المعرض أيضاً محاضرات قيّمة مع فنانين واختصاصيين أفنوا عمرهم في الخط، فنجد الشاعر والمعلّم والخطاط اللبناني المتفرّد سمير الصايغ، والخطاط المعروف غالب حويلا، فضلاً عن أحد أهم مدرّسي الخط والفن الإيراني رضا عابديني (راجع الكادر أدناه). ولم ينس المعرض الأطفال، إذ يخصص لهم «فتحة ضمة كسرة» (من 5 إلى 8 سنوات) مع «استديو كواكب» وهو محترف فنون بصرية لإدخال الأطفال إلى عالم الخطوط. كما نجد «أحرف أحرف أحرف» (من 8 إلى 12 عاماً) مع المصمم الغرافيكي والخطّاط خاجاك أبليان، والمصممة الغرافيكية فرح فيّاض، اللذين سيعلّمان الأطفال عن الحرف وكيفية كتابته والتعامل معه لخلق عمل غرافيكي فني.
ولأن الحياة استمرارية، فإنه من الطبيعي أن نسأل: ماذا غداً؟ يجيب رامي النمر: «معرضنا القادم سيكون حول الأيقونة المقدسية لأن الأيقونة جزءٌ لا يتجزأ من الثقافة المحلية للمنطقة بأكملها، ولفلسطين والقدس حصة كبيرة من هذه الثقافة؛ خصوصاً أننا نملك أيقونات تعود إلى عصور مختلفة، وبأحجام وأشكال متنوعة. لكن هذا المعرض يحتاج إلى مزيد من الوقت، وقد يكون جاهزاً العام المقبل».

«مداد: فن الخط العربي في الحياة العامة والخاصة»: بدءاً من اليوم حتى 12 تشرين الأول (أكتوبر) ـــ «دار النمر» ( شارع كليمنصو ـ الحمرا) ـ للاستعلام: 01/367013




على البرنامج لقاءات وحوارات

يقدّم «مِداد» برنامجاً غنياً مؤلفاً من محاضرات وورش العمل، إلى جانب عرض المجموعة الخاصة بالدار. البداية ستكون مع الأستاذ المحاضر في الفنّ الإسلامي في «جامعة إدنبره»، ألان فؤاد جورج، الذي يقدّم محاضرة غداً الخميس (19:00) بعنوان «تاريخ موجز لفنّ الخطّ العربي عبر مجموعة النمر».
«الأعمال المعاصرة المنفّذة خصّيصاً لمِداد» (17/4 ــ 19:00) هي المحاضرة التي تحاور خلالها القيّمة على المعرض رايتشل ديدمان، الفنّانين جنى طرابلسي ورائد ياسين ومروان رشماوي وروي سماحة، لمناقشة الأعمال الجديدة التي أنتجوها بتكليف من «دار النمر». في اليوم التالي، سيكون الموعد مع محاضرة أحمد مصطفى بعنوان «هندسة الحروف العربية كونها مقبساً للإرادة الإلهية» (19:00)، التي يقدّم خلالها الفنان والباحث الأكاديمي كتابه «الخطّ الكونيّ». أما الفنان والشاعر والباحث في الخط والفن الإسلامي، سمير الصايغ، فسيتناول في 2 أيّار (مايو) المقبل قضايا أساسية لم تُدرس بما فيه الكفاية، وأثّرت في تطوّر فن الخط، ضمن محاضرة تحمل اسم «الخط العربي فنّ قائم بذاته» (19:00).
وسيجري كذلك تسليط الضوء على رحلة أيوبا سليمان ديالّو الذي كتب مصحفاً كاملاً من الذاكرة في القرن الـ 18 بعدما استُعبِد وأعتِق، عبر محاضرة سيلقيها الباحث إيان فوستر في 16 أيّار (19:00).
«الوصل بين فن الخط وتصميم الخطوط» (25/7 ــ 19:00)، هي حلقة نقاش يتحدّث خلالها المصممة الغرافيكية والتايبوغرافية ومصممّة الخطوط لارا قبطان، والمصمم الغرافيكي ومصمم الخطوط كريستيان سركيس، والتايبوغرافي والمعلّم التركي أونور يازيجيكل. يناقش المتحاورون تحديات فهم التراث الثقافي وكيف تشكّل هذه المعرفة أساس الخطوط العربية المعاصرة. ومن بين المحاضرات، واحدة لعالِم اللغويّات والتايبوغرافي طوماس ميلو، والتايبوغرافية ومصمّمة الخطوط ميريام سومرس، اللذين سيتحدّثان في 27 أيّار (19:00) عن «تحرير الخطّ العربي».
ولعلّ أبرز المحطات في سياق المحاضرات هي تلك التي سيخص بها رضا عابديني «مِداد» في 30 أيار (19:00). سيلقي الفنان الغرافيكي والمعلّم الإيراني نظرة فاحصة على المسار من الخطّ العربي المعاصر إلى الخطوط الطباعيّة، متطرّقاً إلى المشكلات التقنيّة والجمالية التي تعاني منها اللغة البصريّة المعاصرة في تصميم الغرافيكس والخطوط الطباعيّة العربية ــ الفارسية. علماً بأنّه ستكون أمام محترفي وطلاب التصميم الغرافيكي فرصة للمشاركة في ورشة عمل مع عابديني بعنوان «قصيدة تخطيطيّة»، بين الثالث والسابع من تموز (يوليو) 2017 (10:00). في هذا المحترف، يختار المشاركون قصائد كلاسيكيّة بالعربية ويعملون لخلق كتاب تايبوغرافيّ شعري منها. المقاربة تعتمد على فهم وتطبيق مواصفات وخصائص نظام الكتابة والخطّ والتايبوغرافية العربيّة الفارسية.
إلى جانب هذه الورشة المهمة، هناك ورش أخرى، منها «الزمن معكوساً» (5/5 ــ 18:30 و6/5 ــ 10:00) مع الفنانة التشكيلية شفا غدّار. وللأطفال حصّة أيضاً عبر ورشتين، هما: «إن الحروف على أشكالها تقع» (29/4 ــ 10:00) التي يتولاها الخطاط غالب حويلا، و«أحرف أحرف أحرف!» (20/5 ــ 10:00) مع المصمّم الغرافيكي والتايبوغرافي خاجاك أبليان والمصممة الغرافيكية فرح فيّاض، و«فتحة، ضمّة، كسرة» (17/5 ــ 7/6 ــ الرابعة بعد الظهر، و12/7 ــ 9/8 ــ العاشرة صباحاً) الذي يدعو فيها محترف الفنون البصرية «استديو كواكب» الأطفال إلى اكتشاف الخط العربي من منظار جديد.

جميع المحاضرات مجانية وعامة، أما الأماكن في الورش فمحدودة.
للحجز: [email protected]