«الحياة» في قلب الدوّامة، والصورة ضبابية جداً. لا تزال الصحيفة السعودية تحاول الخروج من أزمتها التي لا يمكن فصلها عن الوضع المأزوم للصحافة الورقية عموماً، والمشاريع العربية التي يموّلها الخليج خصوصاً. كما بات معلوماً، لمشكلة «الحياة» وجهان بارزان: الأوّل مالي طبعاً، والثاني يتعلّق بتراجع مكانتها في المشهد الإعلامي العربي، لا سيّما في ظل التوتّر الذي يسود العلاقة بين مالكها وناشرها الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز من جهة، والقابضين على السلطة في السعودية حالياً من جهة ثانية. مع العلم أنّ الأجواء المشحونة بين الطرفين، تعود إلى أكثر من ست سنوات، أي قبل وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى رأس الهرم في المملكة.
ويبدو أنّه مع مرور الوقت وزيادة العقبات، يخف اهتمام الأمير خالد بمشروعه الإعلامي، وتتراجع معه رغبته في تغطية الخسارات المادية الكبيرة. ينقل مقرّبون من الأمير عنه زعمه أنّه يتعرّض لـ «ضغط وتضييق كبيرين، يؤديان إلى فشل كلّ محاولاته الرامية إلى تأمين الأموال اللازمة». يدّعي خالد بن سلطان أنّه «حاول بيع مزرعة خيل كبيرة يمكلها في بولندا لكنّ الصفقة فشلت في اللحظة الأخيرة، قبل أن يلاقي منزله الفخم في قلب باريس المصير نفسه». ويأتي ذلك في الوقت الذي يروَّج فيه باستمرار لإفلاس «مَكْشَف»، الشركة الأم لـ «دار الحياة».

اللجوء إلى المطابع البحرينية لطباعة الأعداد بعد تزايد الديون في السعودية


برز إلى الواجهة أخيراً مؤشران مهمّان إلى مدى تردّي الوضع المالي للجريدة العريقة التي أضحت سعودية مع استحواذ خالد بن سلطان عليها بعدما عاودت الصدور في 1988 من لندن مع ورثة اللبناني كامل مروّة.
رواتب جزء كبير من العاملين في مكتب الرياض متأخرة منذ حوالى أربعة أشهر، وقد لجأت المؤسسة في الآونة الأخيرة إلى مطابع في البحرين لإصدار أعدادها بعد تراكم ديونها المستحقة لدى المطابع المحلية، الأمر الذي يؤخّر توزيعها في السعودية. كما أوقفت اشتراكها في خدمتي «وكالة الصحافة الفرنسية» و«الدنيا»، مكتفية بمصادر قليلة من بينها وكالة «رويترز». هذا ما تؤكده معلومات متقاطعة حصلنا عليها من مصادر عدّة في مكتبي بيروت ولندن.
الأسبوع الماضي، شهدت العاصمة البريطانية اجتماعاً لمجلس الإدارة، حُسم في نهايته القرار المُتخَذ منذ العام الماضي والقاضي بإقفال مكتب لندن نهائياً، تمهيداً لهدم المبنى المتهالك أصلاً وبناء برج أو اثنين مكانه لغايات تجارية (بيع أو تأجير). وخلص الاجتماع إلى أن تتم العملية في نهاية عام 2017، مع اقتراح بنقل المكتب مؤقتاً إلى بيروت (أكبر المكاتب، ويُنتج حوالى ثلثي محتوى الأعداد اليومية) كمرحلة انتقالية، ريثما تنتهي تجهيزات المقرّ في دبي. كذلك، شُكلت لجنة جديدة لتقدير التعويضات التي ستُدفع للموظفين المنوي الاستغناء عنهم. يأتي ذلك على الرغم من إنهاء لجنة أخرى تشكّلت سابقاً للمهمّة نفسها، وفي غياب لائحة واضحة تضم أسماء المصروفين، أو عروضاً رسمية للانتقال إلى العمل في لندن. هنا، تشير المصادر نفسها إلى أنّ الرواتب المقترحة التي يتم تداولها في الكواليس «غير مُغرية»، خصوصاً بالنسبة إلى أشخاص يخططون للعيش مع عائلاتهم في دبي، حيث كلفة العيش والتعليم والسكن مرتفعة جداً. وقد لوحظ في هذا الاجتماع غياب المدير التنفيذي لـ «الحياة»، اللبناني رجا الراسي، الذي يتردّد أنّه غير راضٍ عن الوضع الحالي. «الأخبار» حاولت الاطلاع على موقف الراسي، غير أنّه فضّل عدم التعليق.

عدم دفع الرواتب في مكتب الرياض منذ أشهر

ويشدّد مراقبون على أنّه بالرغم من أنّ الأزمة ليست حديثة العهد، غير أنّ أكبر بوادر التدهور تمثّلت في الاستقالة المفاجئة لرئيس التحرير غسّان شربل في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وانتقاله إلى جريدة «الشرق الأوسط»، ليحلّ مكانه زهير قصيباتي. وتوضح المعلومات أيضاً أنّ هذا الأخير قطع أخيراً زيارته الشهرية الروتينية إلى لندن بعد أسبوعين على بدئها. السبب المُعلن هو «عدم القدرة على تغطية نفقات إقامته» في أحد فنادق مدينة الضباب، بينما يستبعد مطلعون أن يكون هذا التبرير صحيحاً!
وكما كانت الحال بُعيد استقالة شربل، لا تزال أجواء الترقّب والخوف تسيطر على العاملين في مختلف مكاتب «الحياة». كالعادة، الغموض والتعتيم بشأن مستقبلهم ومستقبل مؤسستهم، هما سيّدا الموقف. كل ما يعرفه هؤلاء هو ما يقال منذ زمن عن أنّ نيّة الاستغناء عن الجزء الأكبر من المحرّرين والموظّفين في لندن وبيروت موجودة، إضافة إلى وقف صدور النسخة الورقيّة في وقت ما، وحصر العمل بالنسخة الإلكترونية التي تتخذ من دبي مقراً لها وجرى تعزيزها في المرحلة الماضية. فهل حجم كلفة المشروع لا يزال يتناسب وحاجات خالد بن سلطان منه؟ وهل يختزل الأمير مؤسسته ويحصرها حقاً في موقع إلكتروني فقط بهدف المحافظة عليها بأقل خسائر ممكنة؟  والأهم: ماذا سيكون مصير الموظفين وحقوقهم؟ الأيّام المقبلة كفيلة بالإجابة!