ربما كان هناك تنازلٌ أو تسوية ما مع القارئ، ولكن الأرجح أن أنسي الحاج (1937 ــ 2014) نفسه لم يكن في وارد عقد مثل هذه التسويات حين كتب «الرسولة ...»، فهذه القصيدة تكاد تكون بداية أخرى للشاعر، أو لنقل منعطفاً حاداً في تجربته التي لم تتألف من مزاج واحد، أو لعلها نص خاص كُتب في مديح امرأة مخصوصة (فيروز كما يُقال).
«الرسولة ..» قصيدة حب، والحب هو أخطر موضوعات الشعر. الحب يجرّ الشعر إلى العاطفة، والعاطفة تمرّغه في الميوعة والدراما الشخصية. لم يقع أنسي الحاج في هذه المحظورات، ولكننا لم نشأْ أن نصدّق أن صاحب النبرة الصاعقة والمعجم الهجومي، يمكنه أن يُرخي عنان جملته المشدودة.
لم نرغب أن نصدق اعترافه في القصيدة ذاتها: «أنا هو الشيطان أقدم نفسي/ غلبتني الرِّقة». نعم غلبت الرقةُ الشاعرَ، وصارت كلماته بتصرّف من أحبها وامتدحها، وبات في استطاعته أن يتخفف من نزقه وتمرده، وأن يسمح لجملته أن تكتمل، وأن يتسرب إليها بعض الغناء الخفيف، وأن تتشابه تصدّعات روحه مع تماوج الكلمات الذاهبة لتحفّ بالمحبوبة المستحيلة.
الترجمة الفرنسية بتوقيع الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي
«الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» ستظل تثير هذا النوع من الجدال حول شعريتها، وحول اختلافها عن النبرة الشرسة والفائرة التي بدأ بها أنسي الحاج مسيرته في الكتابة. ومع صدورها أخيراً بالفرنسية، مع قصائد أخرى، بترجمة عبد القادر الجنابي، لا بد من أن يتجدد هذه الجدال الذي يمكن أن نضعه جانباً لبعض الوقت، وأن نستمع إلى قراءات حية من «الرسولة...» وقصائد أخرى لمناسبة انتقالها إلى لغة موليير.
لمناسبة صدور الترجمة الفرنسية لكتاب «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع وقصائد أخرى» لأنسي الحاج (ترجمة عبد القادر الجنابي)، تقيم دارL'orient des livres/Actes Sud و«مؤسسة أنسي الحاج»، وموزار شاهين، قراءة شعرية باللغتين العربية والفرنسية لقصائد الشاعر بأصوات ندى الحاج، جوزيف بو نصار، ويارا بو نصار. يتخلل الحدث إطلاق ألبوم شعري بعنوان «أنسي الحاج يكتب ويقرأ» لقصائد الشاعر بصوته وأصوات الممثلين أنطوان كرباج، جوزيف بونصار، رفعت طربيه، وجوليا قصار (إنتاج موزار شاهين). يقام الحدث في السادسة من مساء اليوم في قبو «كنيسة مار يوسف للآباء اليسوعيين» ـ شارع مار يوسف، الاشرفية، بيروت