="" title="" class="imagecache-250img" />
للصورة المكبرة انقر هنا


تبدو بيروت اليوم مشوهة أكثر من أي وقت مضى. عمليات الهدم العشوائي التي تطال الأبنية التراثية القديمة تسهم في تغيير معالمها، ومحو الذاكرة الجماعية. عمر ملف الأبنية التراثية من عمر الإنتداب الفرنسي في ظل غياب قانون يحميها.
فمشروع قانون حماية هذه الأبنية ما زال يقبع في أدراج مجلس النواب منذ 2007. في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، هدم العقار رقم 1327 الأثري في منطقة البسطة. المنزل المجاور له، الذي يتمتع أيضاً بقيمة تراثية عالية، ينتظر المصير نفسه. وبعد ذلك بشهر تقريباً، هُدم العقاران اللذان يحملان رقم 284 و285 في منطقة الباشورة، وأبقي على الواجهة الأثرية. واليوم، ربما حان دور «بيت ورد»، فيما طالت عمليات الهدم مبنى «آر ديكو» في شارع غورو (الجميزة).
لا شك في أن غياب قانون يحمي الأبنية التراثية في لبنان، هو لبّ المشكلة. في حديث مع وزير الثقافة غطاس خوري، يقر بعجز الوزارة عن الإحاطة بهذا الملف: «الأبنية التراثية المهددة تفوق قدرة وزارة الثقافة»، كاشفاً عن مشروع القانون الذي اقترحه على «لجنة الإدارة والعدل» النيابية بغية دراسته قبل إقراره في مجلس النواب.

المشروع يتضمن عرضاً لمالك المبنى الأثري، كي يستثمر في عقار في المنطقة عينها، التي يقع فيها المبنى، على أن يعود المبلغ المستثمر الى ترميم المبنى الأثري منعاً لهدمه، بشكل يحافظ على الطابع التراثي العام للحي، بتدخل من التنظيم المدني. هذا المشروع تعثر في أولى خطواته في لجنة الإدارة والعدل يوم الأربعاء الفائت، فأرجئ البحث فيه بسبب حاجته الى «مزيد من الدرس والتدقيق».
عجز وزارة الثقافة عن حماية هذه الأبنية، يعود الى غياب القانون وأيضاً الى الميزانية الضئيلة المخصصة لها. لا يمكنها مثلاً إستملاك المبنى التراثي في ظل غياب مستثمرين أجانب كما يشرح خوري، عدا الأحكام القضائية التي تصدر لصالح مالكي المباني التراثية. إذ يرفع هؤلاء دعوى قضائية في وجه الوزارة أمام «مجلس شورى الدولة» ويربحونها، فتُسمح بعدها عمليات الهدم. أضف إلى ذلك غياب عمليات التصنيف الأثري، وإزالة الأبنية المصنّفة عن لائحة الجرد العام، وبالتالي تشريع هدمها.
في 26 كانون الثاني (يناير)، هُدم العقاران رقم 284، و285 في الباشورة بموافقة «المديرية العامة للآثار» في الوزارة، وتحديداً مديرها سركيس خوري، وأبقي على واجهتها الأثرية لدمجها بالمبنى الجديد. حاولنا التواصل مع خوري مرات عدة، واستمهلنا وقتاً لأخذ إذن وزير الثقافة بالحديث الى الإعلام. استمرت المماطلة ثلاثة أيام. وحتى عندما حوّلنا الى أحد العاملين في قسم الهندسة للإضاءة على مهام القسم، فشلت محاولتنا في التواصل معه. لا يسعنا هنا الا أن نخرج بإنطباع بأن حالة من الخوف تعمّ هذه المديرية، وسط أسئلة عن دورها في العديد من أعمال الهدم في بيروت. مثلاً، اعتبرت مصادر من داخل المديرية، أنّ تصنيف المباني التراثية يجب أن يحدد لفترة ما قبل الستينيات (يشرّع هدم المباني التي شيِّدت بعد هذه الفترة)، وأن المباني التي تحمل قيماً ثقافية وفنية تستمدّها من الشخصيات الهامة والمشاهير الذين سكنوا أرجاءها، لا تقع ضمن سلم الحفاظ عليها!