الرباط | شهدت قاعة إفريقيا في «المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء» مساء السبت لحظة للاحتفاء بالشاعر محمد بنطلحة الذي فاز بجائزة «الأركَانة» في دورتها الأخيرة، وهي جائزة يقدمها بيت الشعر في المغرب، وصارت توّسع بالتدريج دائرة حضورها، لا سيما بعدما حصل عليها عدد من الشعراء المعروفين كالإسباني أنطونيو غامونيدا والعراقي سعدي يوسف والصيني بيي ضاو والمغربي محمد السرغيني والراحل محمود درويش.
وفي اليوم ذاته انعقدت ندوة في قاعة إدمون عمران المليح حول الرواية المغاربية شارك فيها محمد برادة وحسونة المصباحي وواسيني الأعرج، وأدارها الناقد سعيد بنكراد. وحاول كل كاتب أن يتوقّف عند انشغالات الرواية في بلاده ونقط تقاطعها مع المجتمع، وعلاقتها بالنتاج الأدبي في الخارج. وفي سياق الاحتفاء بعدد من الكتّاب المغاربة الذين حصلوا على جوائز عربية خلال الموسم الماضي، تم تخصيص لقاءين يوم الجمعة للناقدين المعروفين محمد مفتاح وسعيد يقطين ضمن فعالية حملت عنوان «أسماء فوق البوديوم». ومساء اليوم نفسه، كان المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد في ندوته (قاعة ابن بطوطة) يطالب الجهات التي تمارس التحكم في الثقافة أن ترفع يدها عن هذا القطاع، داعياً إلى مجلس أعلى للثقافة والفنون يسيّره المثقفون لا السياسيون.
واختارت الدورة الـ 23 من المعرض أن تكون بلدان المجموعة الاقتصادية لوسط إفريقيا ضيف شرف. فقد بات واضحاً انسجام التوجه الثقافي العام في المغرب مع توجه الدولة، فهذه الاستضافة لا تأتي كتثمين لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي فحسب، بل أيضاً كامتداد لسعي المغرب خلال السنوات الأخيرة إلى تعميق جذوره السياسية والاقتصادية في القارة التي ينتمي إليها. فقد سبق اختيار دول الغرب الإفريقي كضيف شرف قبل دورتين. وتأتي هذه العودة السريعة لإفريقيا تماشياً مع خطوات المغرب لتعزيز مكانته ودوره في القارة السمراء.

استعادة الراحل إدمون
عمران المليح احتفاءً بمرور
مئة عام على ميلاده
وتتنوع أنشطة استضافة الثقافة الإفريقية من قراءات أدبية وتوقيع إصدارات ولقاءات مفتوحة مع كتّاب، إضافة إلى عدد من الندوات التي تتناول تيمات حساسة وراهنة من قبيل: لغات الكتابة، التنوع الثقافي في بلدان إفريقيا، والثقافة الإفريقية والاستعمار، والتعاون الثقافي كأفق للاتحاد الإفريقي، والاندماج والتحولات الثقافية.
وفي سياق الامتداد الثقافي خارج الرقعة العربية، تخصص فقرة «طريق الحرير» هذه السنة للثقافة الصينية عبر تقديم عدد من النتاجات الأدبية والفكرية لهذا البلد، مع إقامة معرض يحتفي بالفن الصيني خلال ألف عام، إضافة إلى ندوات تناقش حضور الثقافة العربية في الصين وحضور الثقافة الصينية في العالم العربي، مع تخصيص فقرة للتبادل الثقافي المغربي الإسباني، وأخرى لتقديم الأدب الراهن في أميركا اللاتينية.
واحتفاءً بأدب الرحلة، ستقدم جوائز الدورة الأخيرة في معرض الدار البيضاء، كما سيتم عرض منشورات مشروع «ارتياد الآفاق» ضمن تظاهرة «الرحلة العربية في ألف عام». هذا الاحتفاء يكاد يشكل استثناءً خلال هذه الدورة، قياساً مع عدد الندوات المخصصة لهذا الجنس الأدبي والتي يشارك فيها مجموعة من الباحثين والمؤلفين كالعراقيين شاكر لعيبي وعبد الرحمن مجيد الربيعي والسوري نوري الجراح والفلسطينية غدير أبو سنينة، والمغاربة شعيب حليفي وعبد النبي ذاكر وأحمد المديني. يستعيد المعرض في دورته الجديدة الكاتب الراحل إدمون عمران المليح احتفاءً بمرور مئة عام على ميلاده، عبر عدد من اللقاءات باللغتين العربية والفرنسية، مع إطلاق اسم الراحل على إحدى القاعات الكبرى المخصصة للندوات. ويمكن أن يلاحظ المتتبع أن الأمسيات الشعرية المبرمجة هذه السنة قد أعطيت فيها الأولوية للمغاربة، وربما يأتي هذا التركيز على ما يكتب داخل البلاد في هذا الجنس الأدبي بعد جدل عرفته السنوات الأخيرة حول قيمة الشعر المغربي. ويتيح «معرض الدار البيضاء» لزواره فرصة اللقاء المباشر مع كتاب مغاربة وعرب رسخوا أسماءهم في مجال تخصصهم، أبرزهم الكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو والروائي عبد القادر الشاوي والشاعر العراقي صلاح نيازي والروائي المغربي عبد الكريم جويطي والروائي الفلسطيني ربعي المدهون. ويشارك في فعاليات هذه الدورة من البلدان الأجنبية عدد من الكتّاب، من بينهم الروائي الألماني كريستوف هاين، الشاعر الأميركي مايكل مارش، الكاتب الصيني ليو جين يون والكاتبة جيوفانا بينيدتي من بنما. ومن ضمن النشاطات التفاعلية سيقام منتدى للترجمة من وإلى الإسبانية، فضلاً عن ندوات متنوعة حول الإرهاب والمواجهة الفكرية، والكتابة وحفظ الذاكرة الجماعية، إلى جانب التراث الإبداعي الأمازيغي، والثقافة الحسانية الصحراوية، وتاريخ المغرب وبنما من منظور الشعر النسائي. وفي إطار تقديم كتّاب الجيل الجديد، تم تخصيص فقرة باسم «أدباء قادمون» يلتقي فيها الجمهور عدداً من الروائيين والشعراء والقصاصين الجدد على مدار أيام الدورة الجديدة من «المعرض الدولي للكتاب» التي تستمر حتى 19 شباط (فبراير).