إنّه أحد أكثر القطاعات حيويةً وتبدلاً سريعاً: ميدان الإعلام بكل تفرعاته، سجّل في السنوات الأخيرة والعام المنصرم، أكبر أزمة صحافة عاشها لبنان في تاريخه. تبدّلات عديدة وإفراز لأزمات إضافية من تسريح لموظفين/ات، وانقضاض على حقوقهم، وتظهير أكبر لعجز نقابتي الصحافة والمحررين عن مواكبة هذه المحنة والتصدّي لها. هكذا، أقفلت «السفير» مع بداية العام الحالي، فيما «النهار» تتخبط في أزمتها المالية الخانقة، ويدأب موظفوها على الاستحصال على حقوقهم. أما القنوات التلفزيونية، فقد هبط مستوى محتواها إلى أدنى ما يمكن أن يصل إليه الإعلام المرئي في تاريخه في لبنان.
كل هذه المشهدية القاتمة تهدد وجود الصحف الورقية واستراتيجية بقائها ومواءمتها للعالم الرقمي الذي التَهَم المهنة ووسائطها. في ظل أزمة الصحافة التي تستفحل بطريقة سريعة ومطردة بأوجه مختلفة، تتوجه الأنظار إلى كليات الإعلام في لبنان وتحديداً «الجامعة اللبنانية» بفرعيها الأول (الأونيسكو) والثاني (الفنار) لاستطلاع أوضاع الخرّيجين/ات الجدد في سوق العمل وما إذا كنا سنشهد حقاً أزمة بطالة كبيرة، على خلفية الوضع الإعلامي الراهن.

في غضون سبع سنوات،
تغيرت المناهج الدراسية في
الكلية ثلاث مرات
كيف تواكب هذه الكليات التطورات الجديدة في عالم الإعلام؟ وهل واكبت هذه الأزمة ووضعت طلابها في مأمن مما يحدث، ووفرت لهم المهارات والخبرات اللازمة لدخول الإعلام الجديد؟
يتخرّج سنوياً بين 50 و70 طالباً/ة، في قطاع الصحافة بشقيها المرئي والمسموع في كلية الإعلام، إذا استثنيا فرعي العلاقات وإدارة المعلومات، أي حوالى مئة صحافي/ة يتحضرون لدخول سوق العمل. هل سيصبح هؤلاء عاطلين/ات عن العمل في ظل اختراق هذه المهنة من قبل دخلاء يأخذون مكانهم في أماكن العمل، ووسط انتشار مطّرد لموضة «مراكز التدريب الإعلامية» التي تفتقر أغلبها لأدنى شروط هذه المهنة، وتوهم المشاركين/ات بأنهم سيصبحون «إعلاميين» و«إعلاميات» في أسبوع واحد؟ هذه المراكز التي تنتشر حالياً في بيروت كالفطر، ويحتاج مدرّبوها إلى تدريب في الأصل، تعمل على استقطاب شرائح شبابية تغريها الأضواء، تقدم لها حصصاً ومهارات سريعة، غير معمقة بعيداً عن أصحاب الاختصاص المخضرمين، وتعمد إلى الجذب عبر ضخ أسماء تلفزيونية أغلبها شاب، تقوم بدورها بهذا التدريب، وتكون في الأصل فاقدة لأي مهارات وخبرة طويلة في مجال الإعلام.
إزاء هذا الواقع المرير، الذي يحكم قبضته على الخريجين والخريجات الجدّد، وحتى على أبناء المهنة الذين يمارسونها منذ أعوام، تبرز الحاجة الملحة إلى الاطلاع على جهود الكليات في الجامعة الرسمية في تحضير طلابها وطالباتها لدخول سوق العمل. مدير كلية الإعلام في الفرع الأول رامي نجم، كشف لـ «الأخبار» عن قرب إصدار المناهج الجديدة في الكلية. هذه المناهج التي اشتغلت عليها لجنة مختصة منذ عام ونيف، تهدف ـ وفق نجم ــ إلى «مواكبة سوق العمل»، وإدخال كل ما له صلة بالعالم الرقمي في المسارات الثلاثة في الكلية (صحافة، توثيق، علاقات)، من تقنيات في التحرير واستخدام التطبيقات الإلكترونية، وغيرهما من المهارات المتعلقة بالصحافة الإلكترونية.
المواكب لمسار الصحافة المكتوبة في الكلية، لا بدّ من أن يلحظ حجم التراجع الكبير في إصدار المجلات، التي تتطلبها عادة مشاريع التخرّج في الصحافة المكتوبة. مدير الكلية، يؤكد على انخفاض هذا العدد ليضحي في العام الواحد مجلتين فقط، مقارنة بالأعداد اللافتة التي كانت تصدر في السنوات المنصرمة. إذاً تراجعت صحافة الورق وإنتاجها أكاديمياً، ليتغير الوسيط ويضحي إلكترونياً مواكبةً لما نشهده اليوم على الصعيد المهني.
في غضون سبع سنوات، تغيرت المناهج الدراسية في الكلية ثلاث مرات، وهذا دليل على تأثير المتغيرات في عالم الصحافة والإعلام على التدريس واكتساب المهارت، في أكثر كلية حيويةً في لبنان. لكن هل يكفي تغيير المناهج ليطمئن الطلاب بأنهم باتوا في ملاذ عن شبح البطالة؟ يجيبنا نجم بالإشارة إلى أهمية الشراكة بين المؤسسات الإعلامية والكلية. يشكو المدير الشاب من غياب التعاون مع القنوات الخاصة، مقارنة بفتح القنوات الرسمية من «تلفزيون لبنان» و«الوكالة الوطنية للإعلام» وغيرهما، أبوابهما إلى الطلاب للتدريب واكتساب الخبرات. يشدّد نجم على هذا التشبيك وعلى ضرورة وضع استراتيجية من قبل هذه القنوات، تتيح تقديم فرص عمل للطلاب حسب حاجاتها.
لا وجود للقلق بين الطلاب وطالبات «كلية الإعلام» في فرعيها حول سوق العمل، ولا أزمة جديدة قد تتأتى عن الأزمة الكبرى للورق. يطمئن نجم في هذا الخصوص، إلى أنّ أهم المؤسسات الإعلامية تسعى وراء خريجي «الجامعة اللبنانية» تحديداً، لثقتها بكفاءاتهم، وبعملهم الجاد فيها.