زبدة المعرض تتمثّل في الأسماء العراقية
المعرض الذي يشهد إقبالاً فاق التوقعات من قبل جمهور الفن في العاصمة الإيرانيّة، تنظمه «مؤسسة بارجيل» الإماراتيّة الخاصة التي تتولى إدارة وعرض مقتنيات فنيّة عربيّة من لوحات تشكيليّة ومنحوتات في الإمارات وحول العالم. المؤسسة تبدو كأنها في خضم موجة نشاط محموم في حملتها النبيلة لتعريف العالم بالأعمال الفنيّة العربية، وهي تتعاون في ذلك مع متاحف عالمية كبرى مقدّمة نماذج من هذه الأعمال ضمن ثيمات متنوعة آخرها معرض عن الفن التشكيلي العربي في «وايت تشابيل» في لندن، ولديها برنامج طموح في الأشهر القليلة للعرض في عمّان والإسكندريّة وباريس. تمتلك «بارجيل للفنون» ما يزيد عن ألفٍ من أهم الأعمال التشكيلية لفنانين معاصرين من مختلف أنحاء العالم العربي تمثل مدارس واتجاهات متنوعة ضمن مرحلة ما بعد الاستقلال ونشوء الدول الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية. فترة اتسمت بتحولات اجتماعيّة عميقة يقدّم الفن التشكيلي إحدى أهم وسائل فهمها وتوثيقها.
أما «متحف طهران للفن المعاصر» الذي يستضيف المعرض، فهو أهم متاحف الفن المعاصر في الشرق الأوسط على الإطلاق، يمتلك أكثر من ثلاثة آلاف عمل فني ذي قيمة عالمية تغطي فترات نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين، إضافة إلى أكبر مجموعة من الفن الإيراني الحديث والمعاصر. وكان المتحف قد افتتح قبل عامين من الثورة الإيرانيّة عام ١٩٧٩، ويصنّف الخبراء مجموعته بأنها أهم مقتنيات من الفن الغربي خارج أوروبا والولايات المتحدة، إضافة إلى استضافة حدائقه عدة منحوتات لفنانين عالميين ليس أقلهم هنري مور.
بحسب كريم سلطان من «مؤسسة بارجيل» وأمين معرضها في طهران، فإن المجموعة العربيّة المعروضة تقدم أعمالاً رائدة من مرحلة الحداثة في العالم العربي، تستكشف مرحلة تقاطع صعود الدولة الوطنية مع تطور شعور الأفراد بالذات في فترة ١٩٤٠ - ١٩٩٠ من خلال قراءة التناقض بين القرية والمدينة، بين اللغة والتجريد وبين الزيّ والعري.
الأعمال أتت من دول عربيّة مختلفة وفنانين من مدارس فنيّة وفكريّة متنوعة، عاكسةً المزاج الاجتماعي الخاص للمجتمع الذي أتت منه. اللوحات المصرية مثلاً تصور تداخلاً بين البيئة المحلية وقصص الحرب والهزيمة، بينما تعكس أعمال الخليج من الإمارات وقطر نزوحاً نحو التجريد والاحتفاء بالكتابة العربيّة المبهرة. لكن زبدة المعرض قد تكون المجموعة العراقيّة التي تشمل أعمالاً لفنانين عراقيين من رواد الحداثة في العالم العربي كشاكر حسن آل سعيد، وضياء العزاوي وأيضاً لوحة كاظم حيدر المشهورة: «عشرة خيول متعبة تتحاور مع اللاشيء - ملحمة الشهيد». ولتوسيع قاعدة التغطية، هنالك أعمال لفنانين من المغرب والجزائر وفلسطين ولبنان والسعوديّة. وتتجاور اللوحات العربيّة في متحف طهران مع عدد متقارب من الأعمال المختارة لفنانين إيرانيين من المرحلة نفسها. ويترافق المعرض أيضاً مع برنامج للمحاضرات والندوات والعروض الخاصة.
طهران التي يقول زائروها إنّها تشهد أجواء صعود فني غير مسبوق منذ ثورة ١٩٧٩، بدت مرحبّة بالمعرض. مجيد مولانوروزي، أمين «متحف طهران للفن المعاصر» علّق على استضافة المدينة لمعرض بهذه الأهمية عن الفن التشكيلي العربي الحديث بقوله «قيمة الفن أنه يسمح بمشاركة التجارب الإنسانيّة ليس بين الأشخاص فحسب، بل عبر الحدود واللغات المحكيّة». وأعرب عن سعادته بالتعاون مع مؤسسة عربية بالذات، ليكون ذلك جسراً لتقديم ثقافة الشعبين لبعضهما، وبناء تفهم أفضل لتجاربهما الإنسانيّة المعاصرة. ونقل عن إحسان رسولوف، مدير «غاليري محسن» في طهران قوله تعليقاً على افتتاح «البحر معلقاً»: «في منطقة مبتلية بالأزمات، يبقى الفن قناة حوار لا بد منه لإبقاء التواصل بيننا وبين الجيران. وهذه مسؤولية الفنانين».
«البحر معلقاً: نماذج من الفن التشكيلي العربي الحديث من مجموعة بارجيل»: حتى 23 كانون الأول (ديسمبر) ــــ «متحف طهران للفن المعاصر» ـــ barjeelartfoundation.org/exhibitions/the-sea-suspended