لطالما شكل الجنرال ميشال عون العجينة التي تفاعل معها العديد من فناني الكاريكاتور وأصحاب البرامج الساخرة. شخصيته المتفرّدة وانفعاليته، كانتا مادة دسمة لهؤلاء. وقد يصح الحسم أنّه ليس هناك رئيس تعرّض للنقد والسخرية بقدر عون. على أبواب دخوله قصر بعبدا، جولة على بعض البرامج الساخرة تظهر كيف تغيّر الخطاب تجاه عون بين ليلة وضحاها، وأخرى زادت «الدوز» عليه، بينما فضّل آخرون التصويب على «رئيس الظل»: جبران باسيل.يوم الثلاثاء الماضي، لم يكن هيناً على عادل كرم، أن ينهي ستاند آب «هيدا حكي» على mtv، بابتسامة صفراء قائلاً للجنرال «نحن منحبك». عبارة تعتبر انقلاباً في سياسة المحطة والبرنامج معاً. فالمحطة غيّرت جلدها بعد تأييد سعد الحريري لعون، وأرست خطاباً تهدوياً بل داعماً له. استهل «هيدا حكي» موسمه الجديد بتخصيص مساحة للسخرية من عون تحت هاشتاغ #وبعدو_عون_ما_عمل_رئيس. ربط كل ما حدث أخيراً على الساحتين الفنية والسياسية كنجاة راغب علامة من 5 انفجارات، أو طلاق نادين الراسي، أو حتى تغيير ديكور البرنامج لمرتين بالهاشتاغ المذكور. قبل هذه الحفلة الساخرة، يمكن إحصاء العديد من الحلقات التي شكل فيها الجنرال العمود الفقري لكل «قفشات» «هيدا حكي». بعد انقلاب قناة المر، وميل لونها إلى البرتقالي، ساد خطابها الداعم لعون على باقي مراسليها وبرامجها. رأينا كرم يستهل الحلقة بالتبشير بأنه خلال أسبوع واحد، انتُخبت «ملكة جمال لبنان» و«صار عنا رئيس للجمهورية»، وبعدها أطلق هاشتاغ «#إذا_عون_عمل_رئيس»، ساد أغلبه «تريقة» على وزير الخارجية جبران باسيل، أكثر مما نال سهامه عون. وكان لافتاً هنا «دوز» السخرية الذي أتى ملطفاً جداً.
في الليلة عينها، وضمن التنافس المحموم، غاب عون عن «لهون وبس» على lbci، لتذهب الأنظار إلى سعد الحريري في لحظة ترشيحه للجنرال. كما «حرتق» هشام حداد على رئيس مجلس النواب نبيه بري، وجبران باسيل. اختفى عون من الحفلة الساخرة، والسبب لا يخفى على أحد بانتماء حداد إلى الرعيل العوني، وإخراجه أخيراً من التيار على يد باسيل. حلقة ما زالت تكبّل المقدم الساخر في تقديم مادته عبر تخصيص مساحات واسعة للتصويب على باسيل كما رأينا في الحلقات السابقة.
وفي الحلقة الثانية من «هيدا تبع الأخبار» (إعداد وتقديم جاد غصن) على «الجديد» مساء الأربعاء الماضي، ركّز غصن على نواب «المستقبل»، بعد إعلان الترشيح من «بيت الوسط»، وسؤاله عن امتعاض بعضهم من دعم الحريري لعون بينما لم يحصل هذا الأمر لدى ترشيح الحريري لفرنجية. طغى في هذه الحلقة الساخرة الحديث عن انتخاب «ملكة جمال لبنان»، وحرتقة طفيفة على لقاء عون- بري الذي شبهه غصن بلقاء «الحمى والكنّة». هذا في الحلقة الثانية أي ضمن الأسبوع الفاصل قبيل عملية الانتخاب. أما في الحلقة الأولى، فقد نال عون حصته إلى جانب سمير جعجع، عبر إجراء مقارنة بين الرجلين المتناقضين في الطباع والمظهر والتصرف. وأيضاً، انتقد غصن تبدّل المواقف السياسية لعون بشكل جذري من قبل مجيئه إلى لبنان وحتى هذه الساعة.
أما فريق bbchi على شاشة lbci، فقد بدت حلقة الخميس الماضي أشبه بهستيريا، أداها الفريق اعتراضاً على الإتيان بعون رئيساً للجمهورية. خاطب سلام الزعتري فؤاد يمين في مستهل الحلقة بالقول: «أنا عون»، فرد عليه يمين «وأنا فرعون». لم يكن تبادل هذه العبارات عابراً، فقد حاول البرنامج الساخر تشبيه عون بالديكتاتوري وحتى بـ «الفاشي» وربط تاريخ انتخابه بولادة موسوليني أيضاً. اعتبر الزعتري في هذا الانتخاب أنّ «إيران ربحت في اليمن وسوريا ولبنان والعراق» وفي «بلاد ما بين النهرين» و«بلاد ما بين الصهرين» (لبنان). كرر الزعتري ضمن لعبة زلة اللسان اسم جبران باسيل للتأكيد بأنه سيكون «رئيس الظل».
لكن بقي الجامع بين هذه البرامج تخوفها من محاولة تكميم الأفواه في عهد عون، وضيق هامش حرية التعبير. استعاد bbchi تصريح وزيرة المهجرين اليس شبطيني، بتلويحها محاسبة كل من سينتقد عون، ليثير المخاوف حول ما سيحدث لاحقاً في العهد الجديد. هذا الأمر استشفه أيضاً كرم الذي صرح في مستهل الحلقة المذكورة «إذا اجا عون رئيس ما رح فيّ قول به». كذلك فعل حداد الذي ردد ساخراً عندما توجه إلى رئيس الفرقة الموسيقية جاد أبو كرم قائلاً: «الحلقة الجايي عون رئيس للجمهورية بتعرف شو يعني؟ يعني هيدي آخر حلقة بتثاقل فيها على جبران باسيل».
إذاً، لكل برنامج ساخر على هذه الشاشات حساباته الخاصة في تحييد عون أو المبالغة في السخرية منه. حضر هاجس التعاطي مع الإعلام والنقد بشكل كبير والخوف من تكميم الأفواه في العهد الجديد، فيما كان جبران باسيل الشخصية البارزة فيها.