مع اقتراب حظوظ الجنرال ميشال عون لدخول قصر بعبدا كرئيس للجمهورية، توجهّت الأنظار إلى السيدة الأولى (سيدة القصر) ناديا الشامي عون. منذ تلك اللحظة أي مطلع الأسبوع الماضي، بدأت حفلة ساخرة بحق زوجة الجنرال، تهزأ من تقدّمها في السنّ ومن «قلة جاذبيتها الأنثوية» وفق المعايير الذكورية السائدة. تضاعفت الحفلة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يتوان عدد من الناشطين والإعلاميين/ات عن الوقوع في فخها. واصل هؤلاء سخريتهم من «السيدة الأولى»، من دون أن يدروا أنهم يبحرون في مستنقع ذكورية تحدد «معايير جمالية» لزوجة الرئيس المنتخب على مقاس ما يروّج تسويقياً اليوم لجسد وهيئة ما يجب أن تكون عليه المرأة. والأسوأ من هذا، أدخل هؤلاء في بازارهم زوجة رئيس تيار «المردة» ريما قرقفي فرنجية. هكذا أقحموها في مقارنة بشعة وغير عادلة مع عقيلة عون، لتبيان مدى الهوة بينهما. وقد اقتنص الناشطون والمرّوجون لحظة إعلان الحريري لتبني ترشّح عون، ليسلموا بالأمر الواقع، كما بدا بأن حظوظ سليمان فرنجية للوصول باتت ضئيلة وبالتالي لن يكتب لريما فرنجية دخول القصر «بجمالها وأنوثتها».
تهزأ الحملة من تقدّمها في العمر و«قلة جاذبيتها الأنثوية»
هذا الخطاب الذكوري الذي يسيء إلى المعلقين أكثر من الذين توجه إليهم سهام السخرية، انطلق من فرضية سطحية. فرضية بُنيَت على صورة زوجة الجنرال التي لا يعرفها إلا قلة، والتسليم بأن السياسة اللبنانية لم تجلب طوال عمر الجمهورية سيدة شابة أو رئيساً شاباً، كما يحصل في الغرب مثلاً، بسبب إعداد طبخة الرئاسة سلفاً من الخارج، واختيار شخصية طاعنة في السن نوعاً ما (أغلب العرف باتت تتجه إلى انتخاب قائد الجيش). من المستحيل مثلاً أن نرى زياد بارود رئيساً للجمهورية بسبب التركيبة اللبنانية المعقدة، والخارجة عن أي حداثة في الوجوه والقوانين، وفي تسيير البلاد والعباد. يذكّر هذا الخطاب بحملة سابقة شبيهة انطلقت في عام 2009 غداة لقاء الرئيس السابق ميشال سليمان وعقيلته وفاء بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وزوجته كارلا بروني (الشابة). بنى هؤلاء خطابهم المتسم بكمّ من الكراهية والسطحية، على صورة فوتوغرافية لناديا عون، رغم غيابها كلياً عن الأضواء، والنشاطات الاجتماعية والسياسية. لم يسجّل أي حديث صحافي للسيدة عون ولا حتى تسجيل صوتي أو متلفز لها، فقد آثرت الابتعاد عن الإعلام والأضواء وعن خوض تجربة مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً. هذا بخلاف ريما فرنجية (44 عاماً) الآتية من عالم الإعلام والتلفزيون تحديداً، التي انسحبت من lbci بعد اقترانها بسليمان فرنجية، حيث عرفت وقتها بإطلالتها العفوية والمحببة كمذيعة ربط بين البرامج. خطّت ريما قرقفي طريقها مع «سليمان بك»، تاركة عالم التلفزيون، ومتفرغة لأعمال ونشاطات خيرية واجتماعية. بين الفينة والأخرى، تطل ريما على أهل الإعلام في مقابلات تلفزيونية ومناسبات محددة أيضاً. وبخلاف زوجة عون أيضاً، تخوض ريما تجربة السوشال ميديا، إذ وصل متابعوها على صفحتها الفايسبوكية إلى أكثر من 415 ألفاً، وعلى تويتر حوالى 11.5 ألف. وغالباً ما تكون منشورات هذه الصفحات خصوصاً على تويتر مخصصة لإعادة تغريد ما يدونه زوجها، أو لنشر تعليقات تمدح رئيس تيار «المردة». عدا هذه النشاطات، تمثل ريما فرنجية وجهاً أنثوياً جميلاً، تتمتع بجاذبية في وجهها وجسدها، وطريقة لباسها الأنيق والبسيط في آن وتصرفاتها اللائقة مع الآخرين. يعرف عن ريما فرنجية أيضاً خجلها وحبها الكبير لزوجها سليمان، وقد ظهر ذلك في لقاءات تلفزيونية عدة خصصت للثنائي. ورغم العيش الرغيد الذي تحياه المرأة، فإنها تتجه دوماً إلى الزهد في اللباس والحياة وتتواضع كثيراً مع الآخرين، بخلاف ما قد تفرضه حياة «الإقطاع» التي عاشها وما زال يعيشها بعضهم من آل فرنجية (مثلاً العمّة صونيا فرنجية).
غداة انتخاب ملكة جمال لبنان ساندي تابت، خرجت أصوات كثيرة أيضاً تذم بالرابحة وتقلل من جمالها للفوز بمسابقة كهذه، مطلقة سهامها أيضاً على نحالتها. وفي المقلب الآخر سمعنا أصواتاً أيضاً ترد على هؤلاء بطريقة مسيئة، وتعتبر أن كل من يحق له الإدلاء برأيه، عليه أن يكون بمواصفات الملكة ومعاييرها الجسدية، وألا يكون من ضمن أصحاب الأوزان الزائدة. معمعة كبيرة دخلت فيها المواقع الإلكترونية والاجتماعية، متكئة بفرضيتها، بشكل سطحي، على معايير جمالية فرضها السوق على الجميع. من هذا المنطلق تحديداً، شنت الحملة على ناديا عون، منتقصة من شخصيتها وحضورها فقط لأنها كبيرة في السنّ تفتقد لجمال نضر. وفي كل ما تقدم، تعيد هذه المشهدية الحاجة إلى إعادة صياغة ذهنية جديدة خالية من الذكورية والفوقية، مليئة بأدوات الاحترام للآخر ولو لم يكن على مقاس وميزان المعايير التسويقية الفارغة.