باريس | لم يكد يسدل الستار على فعاليات الدورة الـ ٦٨ من «مهرجان كان السينمائي»، حتى صدر قرار رسمي بحظر عرض أبرز فيلم عربي احتضنته الكروازيت، وهو «الزين اللي فيك» للمغربي نبيل عيوش (الأخبار 30/5/2015). وزارة الاتصال المغربية بررت حظر الفيلم بما «تضمنه من إساءة أخلاقية جسيمة للقيم وللمرأة المغربية، ومسّ صريح بصورة المغرب». وأضاف بيان الوزارة: «بعد مشاهدة فريق من «المركز السينمائي المغربي» لفيلم تحت «الزين لي فيك» في أحد المهرجانات الدولية، فإن السلطات المغربية المختصة قررت عدم السماح بعرض هذا الفيلم في المغرب».
الهجمة ضد عيوش وفيلمه كان قد افتتحها من «كان» عدد من مندوبي إعلام النفط العربي، الممول من السعودية، ممن ساءتهم الصورة المزرية التي قدمها الفيلم عن الاثرياء السعوديين، في معرض شجبه ظاهرة السياحة الجنسية الخليجية والاوروبية في «المملكة المغربية». وسرعان ما وجدت تلك الحملة صدى في بعض الصحف الحكومية المغربية التي هاجمت بدورها الشريط، متهمة إياه بتشويه سمعة البلاد، فيما أُطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي حملة تكفيرية تطالب بإعدام عيوش ولبنى أبيضار (إحدى بطلات فيلمه التي كانت حاضرة معه في «كان»).
فيلم عيوش عرض في «كان» ضمن تظاهرة «أسبوعي المخرجين»، وفيه يعود الابن المشاغب للسينما المغربية على خطى بداياته، ليصور مجدداً قصة تدور في أوساط المقصيين والمهمشين. بعد أطفال الشوارع في فيلمه الأشهر «علي زاوا» (٢٠٠١)، يصور هنا يوميات اربع فتيات يمارسن مهنة البغاء في مراكش، منطلقاً من معاناتهن لتسليط الضوء على مآسي السياحة الجنسية للأثرياء السعوديين والأوروبيين في «المملكة الشريفية».
بجرأة غير مسبوقة في السينما العربية، يسلط عيوش مشرح النقد اللاذع على ما يتسم به «السياح» الأثرياء السعوديون من ازدواجية وبذاءة وخواء روحي.
الى جانب الهوس الجنسي والفوقية والروح الاستغلالية، يبرز الفيلم في أحد أجمل مشاهده، الانحطاط الاخلاقي لبعض هؤلاء الذين يغدقون على المومسات، ويستكثرون في الوقت ذاته على شعب فلسطين حاجته الى الدعم المالي العربي، معتبرين انه شعب من «الشحاذين» الذين يستغلون القضايا القومية من أجل «ابتزاز أثرياء الخليج مالياً، ثم وصفهم بعد ذلك بالرجعية». كلام صدم أحاسيس بطلات الفيلم المومسات، ودفعهن الى الاشتباك مع هؤلاء الاثرياء السعوديين في ملاسنة لفظية شديدة الفظاظة، قبل أن ينصرفن غاضبات، ويرفضن قضاء بقية السهرة معهم، رغم الإغراءات المالية السخية!
قبل أن تشتعل الهجمة الاعلامية ضد الفيلم في المغرب، كان جمهور النقاد في «كان» انقسم الى معسكرين: مندوبو الاعلام الخليجي، الذين انتقدوا عيوش بتهمة مغالاة فيلمه في العري والبذاءة اللفظية، وبقية النقاد من مختلف دول العالم، الذين استقبلوا الشريط بحفاوة بالغة، وأشادوا بما اتسم به من نفس إنساني ونبرة نسائية دافعت عن هؤلاء المومسات، ضد ما يتعرضن له من استغلال وقهر من قبل السياح الأثرياء، بقطع النظر عن جنسياتهم، بخاصة أنّ الفيلم لم يفوت الفرصة لشجب جرائم البيدوفيليا التي يقترفها بعض السياح الأوروبيين في المغرب، في ظل تواطؤ السلطات وصمت المجتمع على هذه الممارسات المخزية.

يشجب «الزين اللي فيك» تواطؤ السلطات المغربية مع مقترفي جرائم السياحة الجنسية
الحملة ضد الفيلم، في شقها الخليجي، تفادت التطرق إلى الصورة التي قدمها عن الثري الخليجي الفاحش، ولا الى ظاهرة السياحة الجنسية التي تعانيها النساء والأطفال القصر في المغرب. وكان ملفتاً أن «نقاد إعلام النفط» الذين تصدّوا للشريط (بعضهم تحدث عن لقاء عُقد خصيصاً في احد مقاهي الكروازيت، لتنسيق عمليات «عاصفة الحزم» الاعلامية ضد نبيل عيوش وفيلمه، بإشراف رئيس أحد مهرجانات السينما الخليجية!) ركزوا على كون الفيلم تضمن مشاهد عري «مبالغاً فيها»، واعتمد لغة «شديدة البذاءة»، مما انعكس - برأي هؤلاء - سلباً على «قيمته الفنية وحبكته الحكائية».
أما الضجة الاعلامية التي نشبت في المغرب، فجاءت كرجع صدى للحملة الخليجية التي شُنت ضده في «كان». وكان ملفتاً أنّها اتسمت بنزعة طهرانية غير مألوفة في بلد محمد شكري، بخاصة أنّ «الزين اللي فيك» ليس أول فيلم مغربي يتناول موضوع الدعارة (راجع الكادر أدناه).
على غرار نظيرتها الخليجية، أغفلت الحملة المغربية بدورها التيمة الرئيسة للفيلم، وهي السياحة الجنسية، وتفادت التطرق الى رسالته الأساسية المتمثّلة في شجب تواطؤ السلطات المغربية مع مقترفي جرائم السياحة الجنسية من السياح الخليجيين والأوروبيين (مشهد اغتصاب إحدى بطلات الفيلم من قبل ضابط شرطة استدعاها على اثر تقديمها شكوى ضد سائح سعودي اعتدى عليها)، وفضح الصمت المنافق الذي يقابل به المجتمع المغربي ظاهرة الدعارة (شخصية الأم الانفصامية التي تقبل أن تصرف عليها ابنتها من اموال البغاء، لكنها ترفض أن تزورها في البيت العائلي خشية كلام الجيران).
ارتكزت الحملة المغربية فقط إلى التهجم على بطلات «الزين اللي فيك» الأربع بحجة أنهن يشوّهن صورة المغرب ويشكلن إساءة الى شرفه وسمعته!
حيال الطهرانية الكاذبة التي بررت بها الحكومة الإخوانية المغربية قرارها حظر الفيلم، بحجة أنه يصدم مشاعر غالبية المغاربة، لأنه يسلط الضوء على «ظواهر غريبة على المجتمع المغربي»، اكتفى عيوش بالرد في تغريدة ساخرة على تويتر، قائلاً: «على المغاربة أن يزوروا المغرب».




الدعارة في السينما من نرجس نجار الى فوزي بنسعيدي

النبرة الطهرانية التي اتسمت بها الحملة ضد «الزين اللي فيك» في الإعلام المغربي تكاد تعطي الانطباع بأن هذا الفيلم هو أول عمل سينمائي مغربي يتناول ظاهرة الدعارة، في حين أنّ نبيل عيوش ذاته تناول هذه الظاهرة، قبل 15 سنة في فيلمه الاشهر «علي زاوا»، حيث كانت والدة أحد أطفال الشوارع الأربعة، ابطال الفيلم، تُمارس مهنة البغاء. وقبل أن يلهب «الزين اللي فيك» جمهور الكروزايت العربي، الشهر الماضي، سبق أن شكّل فيلم مغربي آخر، إحدى المحطات الأكثر تأثيراً وتميزاً في «مهرجان كان» عام 2003. إنه شريط نرجس نجار «العيون الجافة» الذي عرض هو الآخر في تظاهرة «نصف شهر المخرجين». يروي العمل قصة واقعية لقرية كاملة في جبال الأطلس تعتاش نساؤها من مهنة البغاء. وعلى غرار نبيل عيوش، اختارت نجار بطلات فيلمها من الوسط ذاته، بحيث يؤدين أدوارهن الحقيقية على الشاشة، حرصاً على المزيد من الواقعية والمصداقية. وكان «العيون الجافة» قد أثار في حينه جدلاً واسعاً في المغرب، إلا أن أحداً لم يطالب بحظره في صالات المملكة. لكن لم تكد تمر 3 سنوات حتى طاولت محاولات المنع فيلماً مغربياً آخر، عرض أيضاً في «كان» ضمن تظاهرة «نظرة ما» وهو Marock لليلى مراكشي. قبل أسبوعين من العرض الأول للفيلم على الكروزايت، خصصت صحيفة «التجديد»، لسان حال «حزب العدالة والتنمية» الاخواني، الذي يترأس الحكومة المغربية الحالية، ملفاً من اربع صفحات، طالبت فيه بحظر الفيلم، ودعت أنصار الحزب الى التظاهر أمام قاعات السينما المغربية التي ستتجرأ على عرضه. وما أثار حفيظة الصحيفة الاخوانية في الفيلم، الذي يصور عوامل الشباب المخملي في الأحياء البرجوازية في الدار البيضاء، شخصية مومس آتية من الأحياء الشعبية تضطر لالتحاف الحجاب الديني، لتفادي لفت الأنظار الى مهنتها!
وفي عام 2011، شهد الموسم السينمائي المغربي فيلمين بارزين تصدياً لظاهرة الدعارة. الأول عُرض في «مهرجان كان»، في تظاهرة «نصف شهر المخرجين»، وهو «على الحافة» لليلى كيلاني. يروي العمل قصة اربع خادمات يعشن معاً في طنجة، تنساق إحداهن الى ممارسة البغاء لسد حاجيات الشلة، بينما تتولى الأخريات اصطياد الزبائن لها. أما الثاني، فهو «موت للبيع» لفوزي بنسعيدي، ويروي مغامرات ثلاثة شبان عاطلين عن العمل يسافرون الى «تطوان»، أملاً في تحقيق حلمهم في أن يصبحوا من زعماء عصابات المخدرات الشهيرة هناك. وإذا بمصائرهم تتقاطع مع بائعة الهوى «دنيا»، التي سرعان ما يرتبط معها احدهم بعلاقة حب عاصفة. وقد مُنع الفيلم عند عرضه في القاعات المغربية للجمهور دون سن الـ 16، لكن الرقابة لم تربط ذلك - رسمياً - بموضوع الدعارة، بل بمشاهد العنف في الفيلم...
عثمان...