يبقى الأساس ضربات الريشة الواضحة والدسمةلكن يبقى الأساس ضربات الريشة الواضحة والدسمة. أما عن الكيفية، فقد أجاب عبد الرحمن منيف عنها في إحدى رسائله المؤرخة بـ 27- 3- 1999: «الغالي عبد الرحمن (منيف) إن أعمالي تأخذ وقتاً طويلاً في السنوات الأخيرة وعلى اطراد واضح للأسف. إن طبقات اللون الكثيفة اليومية على العمل تشبه تشققات الأرض العطشى منذ قابيل وهابيل وحتى اليوم. أحياناً أقول لنفسي، عليّ أن أترك للوحة بهاء البكارة الأولى ثم أنظر وأقول لا. هنا وهناك وبعض السطوح الجديدة لأصل إلى النواة، والوصول إلى النواة أمر عسير لا يتعلق بالوقت فقط، وإنما بالهبة والانفتاح. وهذا حق وضرورة، وأقصد بهذا زمن المعاناة والتحدي الداخلي والندرة. عرضت في السوق الفنية لمدينة كولونيا في الخريف المنصرم لوحة رسمتها في الصيف ثم عادت إلى مرسمي. كان بها بعض الغنوجة والصبا. قلت لنفسي ربما هناك سطح بسيط يحتاج إلى عمل يسير بدقائق. تحولت الدقائق إلى أسابيع وحتى شهر شباط. لم يبق من الأصل أصل، وأصبح ثقل اللوحة أضعافاً (...). لا أحمل السلم عرضاً ولكن يظهر أنّ سلمي عجيب التشكيل. رغم أنّي لا أرى به عجباً بل حقاً وواجباً، فأنا لست صانع سلالم بل حاملها. وكما تعرف، فإن الحمل (الأخلاقي) أمام النفس ثقيل على الروح والجسد، لكن لنقل بأنّ لكل درجة إشارة وخطوطاً وكتابة، وهذا ما يعوض ويفرج النفس لساعات الأمل.
ربما كان هذا جواباً بسيطاً عن سؤالك البارحة ماذا أعمل أو كيف أعمل. لم أرضَ عن نفسي قطعاً ولم أتوقف للحصاد، وعندما أسأل عن هذا، أكاد أشعر بالذنب والتقصير. ما يسعد قلبي أحياناً ولع الآخرين أو بعضهم بأعمالي واعتبارها حياتية ووجودية على جدران بيوتهم كالضمير يجلب الأمل رغم... رغم ماذا؟. المواسات ربما كانت بالتاء المربوطة، لكنها من أجمل الكلمات في قاموس اليوم والمصير».
وهناك أيضاً شهادة أحد كبار الفنانين الألمان التي ضمّنها مروان في رسالته لمنيف بتاريخ 19- 2- 1999: «إنّ «بيت بريخت» كما تعرف، يتكون في الطابق السفلي من أربع غرف للعرض، وقد قدمتُ 9 لوحات كبيرة من عام 94 وثلاثاً من العام المنصرم، وكنت مقتصداً جداً، حيث بقيت بعض الزوايا والجدران فارغة مما يسهّل إمكانية الرؤية والاستيعاب ويؤكد صميمية أو حميمية الأعمال وأساسها الوجودي، وأعتقد أن المعرض واجه حماساً لدى من رآه، ووصلتني قبل أيام رسالة من رسام معروف من برلين قال فيها: عزيزي مروان، رأيت معرضك في «بيت بريخت»، وأريد أن أقول لك إن رسمك قد اثر بي كثيراً وبشكل عميق. رسم لا يرضى بالجمال الأول المقدم. تصل في حبك العمل إلى درجة قصوى من دون أن تضيع ردة الفعل الساعية أو حرية العمل. من النادر جداً أن أرى في هذه الايام التزاماً ومعاناة كما أراها في أعمالك». أفرحني كتاب الصديق وخاصة أن يكلف رسام نفسه كتابة رسالة مثل هذه صادقة إلى رسام آخر. نكتب ونرسم لمن يحب أن يرى (...)».
اليوم يرثي المجتمع الفني المعلم العالمي مروان قصاب باشي، لكن قلب مروان كان يبكي فلسطين والعراق: «... ونحن على أبواب القرن الجديد وعجائبه الكاوبباوية البربرية من طيارات وصواريخ وأوروبا الكلب الصليبي المطيع للقارة الجديدة خلف محيط الظلمات في تنفيذ حقوق الإنسان على طريقة حقوق الأكراد في تركيا، وحقوق الشعب العربي في فلسطين وما أحلى حياة الكلاب عند أهل الشمال. ما أغبى الإنسان. عندما كان الرجال والنساء يسألون آباءهم لماذا صمتوا أو مشوا مع النازية، يأتي الجواب بأنهم لم يكونوا يعرفون... وأنا أقول لرجال اليوم أنتم تصفقون وتهللون (للقنابل والصواريخ الإنسانية في حرب الشرف والدفاع عن حقوق الأقليات الإسلامية المذبوحة) شأنكم شأن آبائكم من النازيين أو ممن ساروا معهم ببأس وحماس وفرح... أشعر يا عبد الرحمن بكثير من الغضب واليأس أمام وحشية أميركا والعالم الجديد» (رسالة مروان إلى منيف بتاريخ 25/4/1999).