الشابتان اللتان كانتا في انتظار الجمهور في فضاء الـ «ستايشن» اتخذتا وضعية انحناء القردة... أسلاف الجنس البشري. القرد الذي كان جزءاً من عملية تطور الإنسان ليصبح «عاقلاً» أو «حديثاً»... ما علينا! الشابتان، عفواً، «القردتان» قامتا بدعوتنا نحن الجمهور للوقوف، ومشتا بتثاقل بيننا، كما لو أنهما ديناصورتان، وقلبتا وجهة الفضاء المسرحي. اتجهتا إلى أقصى الصالة وصفقتا. هناك، نزلت قردة ثالثة من الطابق العلوي لفضاء الـ «ستايشن». الفارق أن تلك القردة سعيدة. وصلت إلى أسفل الدرج، واتخذت وضعية الزعامة كما لو أنها تأخذ صورة «سلفي».هكذا بدأ «دوشكا» للمخرج عمر الجباعي. إنّه عرض حركي صامت ضمّ خمس شابات (لارا إيلو، هنادي الشبطة، مروى المصري، ساندي طعمة، هديل سهلي) يجمع في النمط الأدائي بين الإيماء والـ «بورليسك» وبعض تقنيات المهرج، ويطرح في مضمونه علاقتنا كـ «عُقّل» منذ نشوء هذا الكون مع السلطة والعنف. القردة السعيدة تصل في موكب (عربة ذهبية اللون) إلى الستارة السوداء التي ما زالت منسدلة. القردتان تفتحان الستارة، وتدخلان برفقة سيدتهما إلى فضاء العرض حيث يوجد تمثال مغطّى. عند الكشف عن التمثال، نرى الإنسان الحديث مشنوقاً كما لو أننا أمام «جان دارك، قديسة المسالخ». حينها، تعود القِرَدَة إلى وضعية الإنسان «المستقيم»، «الحديث»، «العاقل»، وهنا تبدأ اللعبة: سيدات يغزلن، يضحكن، يثرثرن، يلعبن الورق، والإنسان المشنوق، تمثال ينزلق تحت طاولة لعب الورق حتى مد يده اعتراضاً... ستتوالى المشاهد بين ممثل السلطة أو الدكتاتور وضحيته حتى تصبح الضحية جلاداً لضحية أخرى، كما لو أننا في دائرة مفرغة من ممارسات سلطوية عنيفة منذ الأزل. يتضح في نهاية العرض أنّ «القردة» اللواتي لم يشاركن بشكل مباشر في منظومة العنف، يصفقن لنا نحن حاملي جينات «الجنس البشري»، «الحديث».
رغم أهمية الموضوع في اللحظة الراهنة، بدا طرح الجباعي حول السلطة والعنف «تبسيطياً» و«مباشراً» و«نمطياً» لم يألُ الكثير من الجهد في البحث الحركي. قد تكون المباشرة أحياناً خيار صاحب العمل، ولكنها تصبح عنصر ضعف حين تغيب عناصر كثيرة عن العرض أهمها أنّ الممثلات هن هاويات في الدرجة الأولى. هاويات يقمن بعمل حركي فيه القدر الكافي من الدقة والصعوبة. في تلك الحالة، لن يستطيع المخرج أن يذهب كثيراً في بحثه الحركي الذي يتطلب سلسلة من الارتجالات مع شابات هاويات بذلن جهداً كبيراً لتفكيك أجسادهن وهذا يحسب لصالح ورشة المخرج مع مجموعته، لكنه لم يكن كافياً لمحاسبة العرض كعرض: ماذا لو أتيح للجباعي أن يقدّم طرحه هذا مع ممثلين محترفين في المسرح الحركي؟ وماذا لو أتيح له أن يعمل مع دراماتورج يبعد العرض عن «نمطيته المتوقعة» ويحافظ على علاقة «مباشرة» مع شتى الجماهير إذا ما كان هذا خيار المخرج؟

* «دوشكا»: 20:30 مساء اليوم ــ «ستايشن» (جسر الواطي ـ بيروت) ـ للاستعلام: 76/671162