في هذه الدورة أيضاً، تغيب مسابقة الأفلام الشرق أوسطية الروائية. لا شكّ أنّه نقص يتطلّب التحرّك بسرعة. يبقى الفيلم الروائي الطويل وجه السينما الأبرز، على أهميّة الأنواع الأخرى. إنّه ما يمنح أيّ مهرجان ثقلاً نوعياً غير قابل للتعويض. القائمون على BIFF أكثر من يدرك الفجوة، بدليل ذكرها في البيان الصحافي. الملاحظة الأخرى تتعلّق باختصاص لجنة التحكيم الوحيدة بالنوعين الوثائقي والروائي القصير. هذا ما تجاوزته مهرجانات السينما الدولية منذ زمن، إذ تُخصّص لكلّ مسابقة لجنة تحكيم مستقلّة بذاتها.
وضاح الفهد يصوّر عجوزين حمصيين يقرّران العودة إلى الديار
في مسابقة الوثائقيات الشرق أوسطيّة، تشارك أفلام من سوريا والعراق والإمارات وتركيا وإيران، مقترحةً تنويعات مثيرة للاهتمام على تيمة اللجوء. اللافت أنّ معظمها لمخرجين شباب، بعضهم يخوض تجربته الأولى. لا ريب أنّ مشاركتهم في مهرجان كهذا تمنحهم دفعاً وإلهاماً. مشكلة محيّرة تتعلّق بـ «أتراك أفارقة» (2015) للسوداني إبراهيم محمد (1985)، الذي يرصد ظروف المهاجرين من أصل أفريقي إلى الأناضول. هذا ما يؤكّده موقع المهرجان وبيانه، إلا أنّ لتترات الفيلم المتوافر على موقع Vimeo، وبيانات الدورة 16 من «مهرجان إزمير الدولي للفيلم القصير» رأياً آخر، يقول إنّ الإخراج مشترك بين إبراهيم محمد والتركية بتول أوسطا. السيناريو لهذه الأخيرة، فيما ينسب الكاتالوغ البيروتي ذلك إلى إبراهيم محمد وحده. مسألة تتطلّب توضيحاً من المهرجان أو من المخرج نفسه.
الحرب السورية حاضرة بالتأكيد، فهي فرجة الكوكب اليوم. «محبّة» لوضاح الفهد يمثّلها من خلال قصّة حبّ بين عجوزين حمصيين، يقرّران العودة إلى الديار بعد عامين ونصف على الحرب والحصار، ومعاينة الأضرار عن قرب. السينمائي السوري (1981) يصرّ على الأمل. يعوّل على جمال السوريين من الداخل، رغم الخراب المحيط في الخارج. هذا ما فعله سابقاً في «أولاد الحجارة السود» (2014)، إثر خروج المسلّحين وعودة بعض المدنيين. هل هي نسخة منقحة من الشريط نفسه؟ شاب سوري آخر هو وليد المدني (1990)، ينافس بـ «شيخ المصفّح» (2015). في مقبرة السيّارات ضمن المنطقة الصناعية في أبو ظبي، تتأرجح علاقة غير مستقرّة بين أب وابنه. سجلّ الشريط يضمّ جائزة أفضل مونتاج صوت في مسابقة «قصص حقيقية»، ضمن برنامج «استوديو الفيلم العربي» للأفلام الوثائقية، الذي نظّمته «إيمج نيشن» عام 2015، وجائزة أفضل فيلم وثائقي في «مهرجان جامعة زايد السينمائي» الفائت. فيلم ثانٍ باسم الإمارات عن تيمة «أب – ابن»، هو «تخطّي الحد» (2015) لخالد بن ساحلي (1994). «عيسى البسطقي» يريد امتهان تصميم الكوزبلاي (تصميم أزياء للعب الأدوار)، غير أنّ أحلامه تتلاشى مع إصرار والده على التحكّم بمستقبله وقراراته المصيريّة. من العراق، يصل مازن شرابياني (1977) بوثائقي قصير يحمل اسم بطله «دياب». الذكرى الأولى لمجازر داعش في قرى جبل سنجار، تدفع الطفل الكردي – الإيزيدي إلى تقديم مسرحية عن الفاجعة، رغم شحّ الإمكانيات في مخيّم اللاجئين الذي يعيش فيه. نبقى مع الأطفال في «هي هيّه الغربة» (2015) للجزائري – الفرنسي يسير بن شلاح (ماني ـ 1974) التسجيلي والمصوّر الصحافي الحائز جائزتي «إيمي» عن تقارير ووثائقيات إخباريّة، ينقل مفهوم اللجوء بعيون الأطفال، بعيداً عن كليشيهات البالغين وإحصائيات المنظمات غير الحكومية، رغم أنّ شريطه من تمويل إحداها (Save the Children البريطانيّة). «ماني» رافق عدداً من اللاجئين السوريين الصغار في مخيّمات لبنان لأكثر من عام، تاركاً لهم حرية البوح والحكي. من خارج النطاق العربي، يأتي «رفض» الإيرانيين فرناز جورابشيان (1978) ومحمد رضا جورابشيان (1983). لاجئون أفغان يحاولون تحقيق أنفسهم في كرة المضرب، متحدّين شعورهم بالرفض. ومن البلد المضيف، ينتظرنا Finding My Lebanon لمارك أبو زيد (1962)، وRobert لغنى عبود (1991). في الأول، يسعى رجل من جذور لبنانية «بدوي معاصر» إلى اكتشاف وطنه الأصلي، بعدما نشأ جاهلاً تاريخ عائلته. حكاية ثلاثة أجيال تشكّل مقدّمة لشريط طويل آتٍ بعنوان «الأرز المتنامي في الهواء». أبو زيد يستغلّ خبرة 15 عاماً من الاحتكاك بالثقافات الحيّة وتراث الشعوب حول العالم، من بدو وسكّان أصليين وأبناء قبائل. الفيلم الثاني عن رجل يحنّ إلى بيروت القديمة. يعزف في محلّ الحلاقة الصغير الذي يمتلكه في شارع الحمرا، باعثاً الحياة في جدرانه.


AFRO TÜRK from Betül Usta on Vimeo.