قبل 2011، عام بداية الأزمة السورية، عرفت المدن السورية نوعاً من الثورة الفنية إذا أمكننا استخدام التعبير، إذ ازدهر التلفزيون السوري كثيراً حتى بات منافساً حقيقياً لزميله المصري على عرش الدراما العربية. في الوقت نفسه، كانت الحركة المسرحية والموسيقية والتشكيلية والسينمائية تزدهر أيضاً. اليوم هناك شبابٌ سوريون يرغبون في قول كلمتهم والحفاظ على «استمرارية» تلك البنية الثقافية من خلال الأنشطة والأعمال، ولو في بلاد «اللجوء» أو «الهجرة». من هذه الجهود والدوافع، خرج ملتقى «ابتكر سوريا: مشروع تمكين الفنّ السوري في المهجر» الذي يستمر اليوم وغداً على «مسرح دوار الشمس» (الطيونة ــ بيروت)، وفي «دار النمر للفن والثقافة» (الحمرا ــ بيروت) بتنظيم من مؤسسة «اتجاهات ــ ثقافة مستقلة» وبالشراكة مع «المجلس الثقافي البريطاني» (The British Council Syria) ومنظمة «انترناشيونال أليرت» (International Alert).
جلسات حوار ونقاشات حول تحديات الممارسات الإبداعية السوريّة في المهجر وآليات دعمها
يأتي هذا الملتقى ختاماً لمشروع يهدف إلى «تمكين» الفن السوري ودعمه كي يستمر أكثر، «فنحن كمؤسسة نؤمن بأنَّ العمل وحده لا يكفي، بل يحتاج إلى استمرارية كي يكون ذا تأثيرٍ أكبر» وفق المسرحي والمدير التنفيذي لمؤسسة «اتجاهات» عبد الله الكفري. يشير الأخير أيضاً إلى أنَّ عنوان «ابتكر سوريا» كافٍ للتعريف بالمشروع: «لقد أقمناه أساساً لإيجاد فرصة لدعم المبادرات الثقافية السورية التي انتقلت إلى بيئات عمل جديدة، حيث ندرّب الفنانين على كيفية العمل في هذه البيئات عبر التركيز على خطوطٍ ثلاثة: الخط الأوّل، كيف تخطط وتعمل للقيام بمشاريع ثقافية ذات جدوى. أما الخط الثاني، فذو علاقة بمنح إنتاجية لهذه الأعمال (قدمت هذه الدورة 11 منحة تراوح قيمتها بين 7 و 14 ألف دولار) في مجالات متعددة ومتنوعة: المسرح، الكورال، التصوير، الأنيميشن وغيرها، وممولها هو شريكنا في هذه المشاريع «المجلس الثقافي البريطاني». أما الخط الأخير، فهو توفير فرصة لهؤلاء الفنانين كي يقدّموا أعمالهم أمام الجمهور، خصوصاً أن بعض المشاريع قدمت في مناطق بعيدة مثل البقاع أو بعلبك، وربما أمام جمهور أقل، لذلك فإننا نفتح لها مجالاً في العاصمة بيروت، وأمام جمهورٍ أوسع».
وحول سبب اختيار مكانين لمشروع واحد، خصوصاً أنّ هناك مسافة بين المكانين، يؤكد الكفري بدايةً أنَّ «دار النمر للفن والثقافة هو كفضاء جديد ظهر في لبنان نعتبره مكسباً مهماً لنا، حتى ولو لم نقم بأي عرض فيه. أما بخصوص عرضنا، فالدار تقدّم هذه الخلطة الجميلة، بحيث تركز على المكون الفلسطيني بعلاقته مع المكون اللبناني السوري». ماذا إذاً عن «مسرح دوار الشمس»؟ يقول الكفري إنَّ العلاقة مع المسرح ومع مؤسسيه المخرج روجيه عسّاف وزوجته الممثلة والمسرحية حنان الحاج علي هي «علاقة قديمة. سبق لنا أن عملنا معهما وتعلمنا منهما الكثير. كذلك فإنّ هذا الصرح مفتوح منذ سنين كفضاء لتنوع بيروت».
يبدو برنامج الملتقى مزدحماً، إذ تبدأ الأنشطة في «دار النمر» اليوم وغداً من الساعة العاشرة صباحاً إلى الساعة الرابعة والنصف من بعد الظهر، وستكون عبارة عن جلسات نقاش وحوار في مواضيع متعددة مرتبطة بالثقافة، والفن، والمسرح، إلى جانب إشكاليات كالتحديات الفنية التي تواجهها الممارسات الإبداعية السوريّة في المهجر، وتحديات كسر التنميط، وإتاحة التلقي وآليات دعم هذه الممارسات وتمكينها. هكذا ستجمع هذه الطاولات كتّاباً وموسيقيين ومديري مهرجانات ومخرجين وناشطين وراقصين ومصورين وصحافيين وأكاديميين. أما الأنشطة المسائية، فستحطّ في «مسرح دوار الشمس» ابتداءً من السادسة والنصف مساءً. يشير الكفري هنا إلى أن «البرمجة الفنية متنوعة، إذ تأخذ في الاعتبار المشاريع نفسها التي دعمت خلال عام، بحيث تستطيع أن تقدم عرضها وعملها، فنحن نحاول أن نعزز هذا الفنان ونتابعه من خلال زيارات ميدانية وتمكين الفنان لتقديم عمله». ضمن هذا الإطار، يأتي معرض «عيوني» (مؤسسة «بسمة وزيتونة» بدعم من «ابتكر سوريا» ــ 18:30 مساء اليوم). على برنامج «دوار الشمس» أيضاً العرض الأوّل لفيلم «المخيّم وحكاية أهلي» لمؤسسة «نجدة ناو» (19:00 مساء اليوم) الذي أتى نتيجة تدريب مع شباب سوريين وفلسطينيين، ثم حفلة موسيقية وغنائية لكورال جمعية «بسمة وزيتونة» (20:30 مساء اليوم). عند السابعة من مساء الغد، يحيي «كورال الفيحاء» مع «كورال سنبلة» أمسية «الموسيقى حياة» (مدعوم من برنامج «ابتكر سوريا»)، تليها قراءات مسرحية لنوار يوسف «عالقون هنا» (20:30)، كذلك سيكون رواد النشاط على موعد مع بروفا مفتوحة لفرقة «كون» المسرحيّة (أسامة حلال)، ثم عرض «مواويل» لمشروع «ابدأ» (رغد مخلوف ووسام الغاطي).
أما السؤال الأخير عن هذا النشاط، فيتمحور حول الخطوات المقبلة، وكيفية تطوير المشروع، لتأتينا الإجابة من الكفري، بقوله: «إنها نسخة تجريبية كما نؤكد وسنتعلّم منها الكثير لتحديد احتياجات الفنان والشارع السوريين أكثر، فعليك أن تخلق أطراً للعمل في هذه الأجواء الجديدة، كذلك عليك أن تعرف ما هي الاحتياجات لتستطيع العمل عليها في المشاريع المستقبلية». علماً بأنَّ مؤسسة «اتجاهات» كانت قد تأسست في دمشق في نهاية عام 2011، ولا تزال تنشط هناك. ومن أبرز نشاطات المؤسسة برنامجان أساسيان هما: «مختبر الفنون» وهو برنامج منح إنتاجية سنوي، و«يرنج ــ أبحاث لتعميق ثقافة المعرفة» الذي يقيم دورته الرابعة حالياً لتدريب 10 باحثين في مجال البحث الثقافي ودعمهم في إنتاج أبحاث في مواضيع متعلقة بالثقافة والفن، لتضاف أسماؤهم إلى أكثر من 30 باحثاً استفادوا من هذا البرنامج حتى اليوم.

«ابتكر سوريا: مشروع تمكين الفنّ السوري في المهجر»: اليوم وغداً ــ «دار النمر للفن والثقافة» (الحمرا ــ بيروت)، و«مسرح دوار الشمس» (الطيونة ــ بيروت). للاستعلام: 70/584034