■ يرى بعضهم في تعاونك مع السبكي في فيلمك الجديد «الماء والخضرة والوجه الحسن» أنك قدمت تنازلات، مما أثار حالة من الجدل حول مخرج بقيمة وحجم يسري نصر الله، كيف ترد على هؤلاء؟الفيلم يخصني تماماً، وأي كلام عن تنازلات هو محض افتراء، خصوصاً أننا أصبحنا نعيش في عصر الادعاءات المبرمجة، بمعنى أنّ هناك وصفة أو خلطة سينمائية معروفة لسينما السبكي، وما دام يسري قد قبل التعاون معه إذاً، فقد قبل بتقديم هذه الوصفة على حساب فنه. هذا كلام غير واقعي بالمرة، فالفيلم المعروض، يحمل توقيع وروح وأسلوب يسري نصر الله. ما لا يعرفه كثيرون أنّني أحاول تقديم هذا الشريط منذ عام 1998، أي منذ هذا الفيلم أحاول أن أقدمه منذ عام 98 أي منذ 18 عاماً. كانت أول صياغة درامية للفكرة منذ هذه المدة. وقتها، كنت أصور مشاهد من فيلمي «صبيان وبنات» في مدينة بلقاس، وهناك التقيت أبناء عمومة الفنان باسم سمرة، الذين يعملون طباخين في الأفراح الشعبية. انبهرت وقتها بهؤلاء «البني آدمين»، بتفاصيلهم، وخفتهم، وقدرتهم على التعايش مهما كانت ظروف الحياة. وبالفعل، عملت على المعالجة الدرامية مع كاتب السيناريو ناصر عبد الرحمن، الذي سبق أن شاركني في صياغة فيلميّ «المدينة»، و«جنينة الأسماك». لكن للأسف، أخذ السيناريو إلى منطقة بعيدة تماماً عما كنت أفكر فيه، حيث كانت همومي هي الإنسان، والحب، والجنس، والطبخ، ومتعته وحرية اختيار الشريك، والإحساس بالكرامة. لكن ناصر ذهب إلى السياسة، وانتخابات مجلس الشعب وكواليسها. وبالتوازي مع ذلك، كانت الظروف تدفعني دوماً لإنجاز فيلم آخر، أو تأتي أحداث تفرض نفسها، فأضطر لتأجيل مشروع هذا الفيلم الذي صار مثل الحلم كلما حاولت تحقيقه، يبتعد.
إلا أنه منذ عامين تحديداً، عدت إلى سيناريو «الماء والخضرة والوجه الحسن». شعرت أنّه يتوجّب عليّ إنجاز هذا العمل، وبالفعل ذهبت إلى «شركة نيو سينشري». ورغم حماسهم للمشروع، إلا أنه توقف لأسباب تتعلق بارتفاع الميزانية وفق ما قيل. في تلك اللحظة، قررت أن آخذ السيناريو وأذهب به إلى المنتج أحمد السبكي الذي أكد لي أكثر من مرة أنه يرغب في التعاون معي، وتحديداً بعد فيلمي «احكي يا شهرزاد». وبصراحة شديدة، أنا أرفض حالة التعالي التي يتم بها التعامل مع السبكي وأحترمه جداً لأنه «راجل بتاع سينما».
ما لا يعرفه كثيرون أنّني
أحاول تقديم هذا الشريط
منذ عام 1998

■ هل كان للسبكي طلبات محددة للموافقة على إنتاج هذا السيناريو؟
سأرد بوضوح وحسم: لم يفرض السبكي عليّ شرطاً واحداً، ولم يتدخل في طريقة عملي. طلب منّي فقط أن أصوّر أغنية دعائية للفيلم يغنّيها المطرب الشعبي المعروف محمود الليثي لاستغلالها للترويج للفيلم. لكنني وضعت الأغنية في سياق دراما الفيلم وتحديداً في مشهد الفرح.

■ هل كان هذا نوعاً من مجاملة المنتج؟
لم أفكر في الأمر بهذا الشكل أبداً، بل أحببت الأغنية. بعد نقاش مع مونتيرة الفيلم منى ربيع، وجدنا أنها جزء من بهجة الفيلم وحالة أبطاله الذين يتنقلون من «فرح لفرح». الفيلم كله يضم أغنيتين، أغنية عاشور التي قام بتأديتها باللغة الهندية، ولا يستطيع أحد أن ينكر عودة الغناء الهندي وتحديداً في المناطق الشعبية. أما أغنية الليثي، فتجسّد واقع الفيلم، فموضوعها عن المال. ومن قامت بإحضار المطرب والراقصة في الفيلم هي رقية (تجسدها صابرين) زوجة الثري (محمد فراج) الذي يرغب في الترشح لعضوية مجلس الشعب. وطبعاً يجب أن تكون الهدية على قدر مقامه، وأقولها بشكل قاطع: أنا أحببت الأغنية ولستُ خجلاً منها، وأنا من اتخذ قرار تضمينها داخل أحداث الفيلم. وبالمناسبة، ليست هذه هي المرة الأولى التي أضع فيها أغنيات داخل أحداث أفلامي. «مرسيدس» حوى أغنية «على النبي صلوا» وتمت مهاجمتي وقتها أيضاً، وفيلم «المدينة» أيضاً تضمّن أغنيات.
■ كيف تفسر إذاً حالة الهجوم التي تعرض لها الفيلم من البعض؟
في البداية، دعينا نتفق على أنّ أي إنسان يعرف يسري نصر الله، ويحب عمله بحقّ، سيجد أنّ هذا الفيلم يشبه يسري تماماً، بدءاً من حبي للناس، أقصد أبطال الفيلم وطريقة تصويرهم، وصولاً إلى تقديمي للشخصيات النسائية، والجنس والعلاقات المتداخلة، كلها ثيمات موجودة في أفلامي.
أما الهجوم عليّ وعلى الفيلم، فتلك مسألة أصبحت معتاداً عليها. عندما كنت أقدم أفلاماً من إنتاج مشترك، كنت أتعرّض لهجوم مغرض ومكثف. اتهموني بأنني أغازل الفرنكوفونية، وأرغب في الذهاب إلى فرنسا. لذلك أرضخ لشروط الداعمين والمانحين. وفي فيلم «مرسيدس»، قالوا إنّه فيلم خارج عن التقاليد المصرية ومعاد لروح الثقافة المصرية. وعندما تعاملت مع الكاتب وحيد حامد، قالوا كيف يتعامل يسري مع وحيد، وكل منهما له اتجاهه في السينما واتُهمت بأنني أغازل السوق، فما بالك عندما أتعامل مع السبكي؟!

■ كيف كان التعاون مع المؤلف أحمد عبد الله؟ هل كان من اختيارك أنت أم أنّ أحمد السبكي هو الذي اقترحه، خصوصاً أنه أحد الكتاب المفضلين عنده؟
أحمد عبد الله تعاون معي، حين كنت قاربت على الانتهاء من السيناريو. كنت أعمل عليه منذ انتهائي من «باب الشمس»، وتحديداً مع اقتراب نهاية الأحداث. وكان اختياره قبل أن أذهب بالسيناريو إلى السبكي، وكان منطق التعاون معه من جانبي أنه يملك خبرة في تلك السيناريوهات التي تضم شخصيات كثيرة وخطوطاً درامية متعددة. أذكر أنّه عندما التقينا للمرة الأولى، وقرأ السيناريو، اقترح عليّ أن نجعل الأحداث تدور في يوم واحد، كأعماله التي سبق أن قدمها مثل «الفرح» و«كباريه»، و«ساعة ونص». لكنني رفضت حبس الفيلم، وتناقشت معه في أن ذلك لو حدث، فإن الفيلم سيكون «مكتوماً»، وهذا ضد حالته من الأصل. وعلى هذا الأساس، أنهينا الفيلم، وأضاف أحمد خفة دمه على الحوار، وأيضاً ناقش نجوم العمل معنا بعض الاقتراحات المتعلقة بالحوار وخفته وبعض لزماته.

■ لماذا رفض النجم يحيى الفخرانى تجسيد شخصية يحيى الطبّاخ الأب؟
أضاف أحمد عبد الله خفة دمه على الحوار، ومحمد الشرنوبي
فنان مدهش ورائع

بالفعل، كان الفخراني أول ترشيح للفيلم وقرأ السيناريو، وأحبه بشدة، وناقشني في الكثير من تفاصيله، ولكنه أيضاً كان واضحاً معي جداً وقال لي: «أنا غائب عن السينما منذ فترة طويلة، وصعب أن أرجع في دور غير البطولة». لكنني راض تماماً عن كل نجوم العمل الذين اخترتهم بدءاً من علاء زينهم، وصابرين، وبالطبع منة شلبي، وليلى علوي، وأحمد داود، وأنعام سالوسة، وصبري عبد المنعم، والنجوم الواعدين كمحمد الشرنوبي الذي أراه فناناً مدهشاً ومغنياً رائعاً، إلى جانب مي كتكت.

■ عرض الفيلم في مهرجان «لوكارنو السينمائي الدولي» فتح له العديد من الأسواق في أوروبا، ماذا عن ردود الأفعال وما هي أغربها؟
ضاحكاً: «اتجننوا بأغنية الليثي». لكن بشكل عام، كان فيه إحساس بالحميمية، خصوصاً في ظل صعود اليمين المتطرف، إذ كان بعضهم يبحث عن تفسير سياسي للفيلم، بل إنّ بعضهم رأى أن «بهجة الفيلم» وتعمده الابتعاد عن التحدث في السياسة، هما بحد ذاتهما موقف سياسي، في ظل التوترات التي يموج بها العالم. كما أن عرض الفيلم الإيجابي في المهرجان فتح له أسواقاً في تورنتو في كندا، وبوسان في كوريا الجنوبية، وسيعرض تجارياً في فرنسا في عيد الميلاد، وأيضاً في ألمانيا وإيطاليا.

■ ماذا عن أغرب التعليقات؟
لن تصدقي بعد انتهاء العرض في لوكارنو، سيدات كثيرات التففن حولي ليسألنني عن فستان الراقصة الشعبية.

■ هل نستطيع أن نقول إنّ «الماء والخضرة والوجه الحسن» أدخل يسري نصر الله في معادلة السينما التجارية؟
ببساطة، أنا أنجزت فيلماً يشبهنا «بتاعي صنفوه زي ما تحبو»، وكان يناسب أن أذهب به إلى السبكي، ولكن لم يكن من الطبيعي أو المنطقي أن أذهب إليه بسيناريو «جنينة الأسماك». والأهم بالنسبة إليّ أن لا يخسر المنتج الذي أعمل معه.