حفلت السنوات الأخيرة بانتهاكات عدة طاولت المعالم الأثرية في العالم العربي: بدت اللحظات الأكثر نفوراً في تلك الحقبة هي لحظات نهب المتحف الوطني في بغداد إثر دخول القوات الأميركية عام 2003 وتفريغه من 15000 قطعة أثرية وصولاً إلى سلسلة التدمير الداعشي الذي فعل فعله في مكتبة ومتحف الموصل ومدينة حضر (شمال تكريت)، وتكر السبحة مع سيطرة «داعش» على تدمر وما يشكّل ذلك من أخطار على هذه المدينة الأثرية (الأخبار 1/6/2015)، إلى جانب تفجير أجزاء من قلعة آشور العراقية.في هذا الإطار، انطلقت أخيراً حملة «متحدون مع التراث» في عددٍ من البلاد العربية منها مصر، والكويت، ولبنان وليبيا، رداً على الاعتداءات التي تشهدها المنطقة اليوم، فـ «هناك تدمير متعمّد لمعالم لا تعوض، واضطهاد منهجي للسكان على أساس انتمائهم الديني أو العرقي ونهب الممتلكات الثقافية بهدف تمويل الجماعات المتطرفة، ناهيك عن الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان بما فيها الحقوق الثقافية».

من ضمن الفعاليات التي تندرج تحت حملة «متحدون مع التراث»، نظمّ مكتب الأونيسكو في بيروت بالتعاون مع «اللجنة اللبنانية للمتاحف و«المجلس الدولي للمتاحف» ICOM أخيراً دورة تدريبية امتدت يومين تحت عنوان: «الإجراءات في حالات الطوارئ في متاحف لبنان». وقد تمت استضافة ستيفان بينك لتدريب المشاركين، علماً أنّه خبير في مجال حفظ وترميم الآثار والمدير المؤسس لـ «آينو» (AINU) مشغل في باريس لترميم وحفظ والآثار وتجهيز المعارض.
إذاً كيف نحمي المتاحف اللبنانية في حال حصول نزاعات مسلحة؟ وهل متاحفنا فعلاً مجهزة بالشكل الكافي لمواجهة أي طارئ؟ سؤالان شغلا مجموعة من إداريي المتاحف والمختصين على مدى يومين.
تطرقت الدورة التدريبية إلى اتفاقية «لاهاي» لحماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح، وتحديد مفهوم الخطر، وعرض هيكلية خطة الطوارئ.

لعب موريس شهاب دوراً كبيراً في حماية محفوظات المتحف الوطني خلال الحرب الأهلية

كما قدمت دراسة حال أولى (تحتاج لمزيد من البحث والتدقيق) عن المتاحف اللبنانية التي ـ وللمفاجأة ـ يبلغ عددها 38! تنوعت المتاحف المشاركة في الدورة بين متاحف تعنى بالآثار، والمتاحف الفنية (متحف سرسق، فيلا عوده) والمتاحف التاريخية أو متاحف المهن (كمتحف بسوس الذي يعنى بتربية دود القز).
وتم التركيز خلال الورشة على ضرورة اتخاذ إجراءات استباقية ورسم خطة طوارئ واضحة خاصة بكل متحف وإجراء جردة للقطع الأثرية الموجودة مصحوبة بصور توثيقية وتنظيم تدريبات قبل حصول الكارثة لتجنب التحركات المبنية على ردات الفعل غير المدروسة التي غالباً ما تحصل بعد وقوع الكارثة.
ولعل أكثر ما تطرق اليه العاملون في المتاحف والمواقع الأثرية اللبنانية وتحديداً الحكومية منها، هو نقص الموارد البشرية والتمويل اللذين يشكلان عائقاً كبيراً في اليوميات العادية بعيداً عن أي حالة طوارئ. نذكر على سبيل المثال أنّ المديرية العامة للآثار التي تعنى بالتنقيب عن آثار جديدة وإدارة المواقع الأثرية في كل لبنان، يشمل عديدها البشري ما لا يزيد عن 18 موظفاً. من أهم المشاكل التي ما زال يعانيها أمناء وحافظو المتاحف في لبنان هو غياب الوعي لدى صنّاع القرار لأهمية المواقع الأثرية والمتاحف ودورها في بناء تماسك اجتماعي يساعد في بناء هوية جامعة. بل إنّ رؤساء بعض البلديات يخرقون بعض القوانين المتعارف عليها لحماية الآثار، بغض النظر عن نهب بعض القطع الأثرية.
في تلك الحالة، لا يبدو مستغرباً أبداً أن يجهل معظم اللبنانيين أن هناك 38 متحفاً في لبنان.
كل هذا الوضع المزري لا يمنع أمناء المتاحف من استصلاح خطة طوارئ أقله جماعية ضمن الإمكانيات المتاحة. سوزي حاكيميان، أمينة سابقة للمتحف الوطني اللبناني ومديرة اللجنة اللبنانية للمتاحف، ذكرت الإجراءات العديدة التي اتخذها موريس شهاب المدير العام الأول للمتحف الوطني الذي لجأ الى فطنته خلال الحرب الأهلية ولعب دوراً كبيراً في حماية محفوظات المتحف الوطني وابتكر سبلاً فريدة من نوعها لحفظ القطع الأثرية رغم أنه كان يعمل وحيداً.
في هذا الإطار، أشار جوزيف كريدي مسؤول البرامج في القطاع الثقافي في الأونيسكو إلى أنّ دور الأخيرة ينحصر في الضغط على تنفيذ الاتفاقيات الدولية وتمتين المهارات في المنطقة تحديداً في ما يتعلق بحماية التراث ومنع تهريب القطع الأثرية.
وقد أقامت مكاتب الأونيسكو عدداً من الورشات التدريبية في كل من لبنان وسوريا والأردن والعراق مع عاملين في الانتربول، ما أسهم في استرجاع بعض القطع الأثرية المنهوبة.
مع تغلغل الجماعات المتطرفة في المنطقة، أصبحت تلك العمليات أقرب إلى عمليات «تطهير ثقافي» لا تهدد فقط أهل المنطقة، بل ذات أثر سلبي على الإنسانية جمعاء. تصمت سوزي حاكيميان قليلاً ثم تعود لسؤال يؤرقها في كل حين: «خلال الحرب الأهلية، قامت أكياس الرمل والمكعبات الإسمنتية بمعجزات لحماية القطع الأثرية في المتحف الوطني.
أما اليوم، فكل هذا لن يكون نافعاً. كيف ننقذ قطعة أثرية يبلغ وزنها 4 أطنان في حالة طارئة»». لا تبدو الإجابات شافية.
انتهت الدورة بجولة في «بيت بيروت» (أو مبنى بركات في منطقة السوديكو) مع المهندس يوسف حيدر الذي قدم شرحاً شاملاً عن عملية الترميم التي قام بها متطرقاً إلى دور هذا المبنى في بناء ذاكرة جمعية لمدينة بيروت قبل- خلال- وبعد الحرب الأهلية، مشدداً على جعل هذا المكان فضاءً لكل لبناني.