في نيسان (إبريل) الماضي، ألغت محافظة عمان حفلة لـ «مشروع ليلى» كانت مقرّرة على «المدرج الروماني»، على أثر شكوى من النائب الأردني بسّام البطوش، يدّعي فيها أنّ الفرقة الشبابية اللبنانية تروّج لـ «أفكار عبدة الشيطان وتطرح رؤى غريبة عن الثقافة العربية والإسلامية» (!). ألغيت الحفلة بفعل هذا الإتهام، وقبل الإلغاء وبعده، لا يزال الأردن يرزح تحت سطوة قوانين وتشريعات وعقليّات تقيّد الحريات العامة والشخصية. هكذا يجد المثقف نفسه محاصراً بين استبداد النظام، وارهاب العقول التكفيريّة التي تسيء قراءة النصوص والاعمال الفنيّة، وتفهمها من منظور انحطاطي ضيّق. هذا ما حدث للأسف، الجمعة الماضي، للكاتب الأردني ناهض حتّر (الصورة)، لمجرّد أنّه، على صفحته الفايسبوكيّة، أعاد نشر كاريكاتور بشع شكلاً، وبليد مضموناً، هدفه الأصلي اتهام «التكفيريين» بالاساءة إلى الدين واستغلاله. سرعان ما استغل المناسبة، خصوم حتّر الذين ينتظرونه بالمرصاد، بسبب مواقفه الصريحة والاستفزازيّة (والاشكاليّة أحياناً)… فإذا بمجرّد «مشاركة» في رسمة تتحوّل «اساءة إلى الذات الإلهية»، و«اثارة للنعرات الطائفية». الكاريكاتور الذي يفتقر للعناصر الجمالية والإبداعية يصوّر «داعشياً» في الجنّة يسيء إلى مبادئ الدين الذي يدّعي الدفاع عنه. أزيل البوست بعد ساعات، وأوضح ناهض أن هذا الرسم «غير مسيء للذات الإلهية ولا يمّسها لا من قريب ولا من بعيد»، بل يسخر من «الإرهابيين وتصوّرهم للجنة وللرب». وقسم المهاجمين إلى طرفين: «أناس طيبين» لم يفهموا المقصود من الرسم، وأشخاص «يحملون مخيالاً مريضاً» استغلوا الرسم لـ «تصفية حسابات سياسية».الكاتب الأردني المثير للجدل في مقالاته وطروحاته حول مسائل عدة، لا سيما الموضوع السوري وقضايا اللجوء، يقبع منذ يوم الأحد الماضي في سجن «ماركا»، بعدما سلّم نفسه طوعاً. فيما أكد محاميه فيصل البطاينة أن الرسم لم يُقصد به «الإساءة للذات الإلهية» بل ينتقد «داعش» و«الإخوان المسلمين». هذا الاعتقال الاحتياطي لحتّر، رافقه أكثر من 60 شكوى بحق الكاتب الأردني، تزامناً مع حملة شرسة قادها «الإخوان المسلمون» على صفحات التواصل الإجتماعي، وصلت إلى حد المطالبة بـ «إعدامه». وطالب أحد الدعاة المتطرّفين السلطة بالإقتصاص من حتّر، مؤكّداً أنّه سيقوم بنفسه بـ «اقتلاع قلب» الكاتب لو تقاعست العدالة. كل ذلك، على مسمع من السلطات والإستخبارات الأردنية. في المقابل، أصدرت مجموعة من الشخصيات الأردنية بياناً تضامنياً مع حتر، رافضة بشدة ما اعتبرته «تحريضاً مدروساً من أجل اغتيال شخصيته الوطنية بسبب خلافات سياسية وفكرية معه». وأنشئت صفحة على فايسبوك بعنوان «الحريّة لناهض حتّر».
الدعوات إلى «تصفية» حتّر لم تقتصر على مواقع التواصل والتسجيلات، بل وُجّهت تهديدات مباشرة إلى عائلته وحتى عشيرته. ويتصدّى محاميه لهذه التهديدات قضائياً، وسط توافر معلومات خاصة بـ «الأخبار» تفيد بتوجّه عدد من المحامين العرب الأسبوع المقبل إلى العاصمة الأردنية، لتشكيل هيئة دفاع عن حتّر. وإلى ذلك الحين، يرجّح بعضهم أن الإبقاء على الكاتب في السجن يهدف إلى «حمايته» من غضب الإخوان المسلمين، و«امتصاص» نقمتهم، لا سيّما أنّ الأردن على مشارف إنتخابات برلمانية، ولـ «الأخوان» دور مهم في تحديد نتائجها.
وفي إتصال مع «الأخبار»، يلفت مصدر قريب من عائلة حتّر، طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أنّ العائلة تنتظر إتخاذ السلطات الأردنية الإجراءات اللازمة بحق كل من تصدر عنهم التهديدات. ويؤكّد المصدر أنّ الكاتب الأردني يتمتع بمعنويات عالية في سجنه، في إنتظار الأحد المقبل موعد تحديد أولى جلسات المحاكمة، وإصدار الحكم أو تمديد حبسه لأسبوع إضافي لحين النطق بهذا القرار.