أسد فولادكار: حبّ وجنس «بالحلال»!

  • 0
  • ض
  • ض

بعد أكثر من عقد على باكورته «لما حكيت مريم»، يعود المخرج اللبناني الشاب بشريطه الثاني الكوميدي هذه المرة. الفيلم الذي طرح أخيراً في الصالات، صوِّر في بيروت ليطرح عوالم شريحة نسائية في مجتمع محافظ محكوم بالدين والتقاليد

مع فيلم «بالحلال» الذي انطلق عرضه في الصالات اللبنانية، يعود أسد فولادكار (1980) إلى السينما. جمهور السينما الواسع تعرّف إلى المخرج الشاب من خلال فيلم «لما حكيت مريم» (٢٠٠٢) الذي صوّر الضغوط الذي يمارسها المجتمع على المرأة وتحجيمها ضمن أدوار معينة، وإذا عجزت عن تنفيذها، اعتبرت كائناً ناقصاً.

هذا ما شاهدناه من خلال قصة الثنائي (برناديت حديب وطلال الجردي) التي تنهار حياتهما بسبب تدخل الأهل ومحاكمتهما للزوجة التي لا تستطيع الإنجاب. أنجز فولادكار «لما حكيت مريم»، معتمداً على إنتاج متواضع، لكنه شكّل حينها تجربة لافتة في السينما اللبنانية. كان من الأعمال الأولى التي خرجت عن ثيمة الحرب، لتقدّم دراما اجتماعية متماسكة في سردها وأداء الممثلين بخاصة برناديت حديب. من هنا حماسة المشاهد لرؤية عمل آخر للمخرج بعد مرور كل هذه السنوات. يبدو اختلاف التجربة والرؤية واضحاً بين «لما حكيت مريم» و«بالحلال». الأخير دراما كوميدية وعمل ضخم من حيث الإنتاج السينمائي، ومتشعّب أكثر في سرده السينمائي، والقصص المختلفة التي يحاول المزج بينها. مشاهد البداية هي الأجمل في الشريط، مع العالم الطفولي الذي ينجح المخرج في تصوير تفاصيله بحميمية، وجمالية استثنائية من خلال قصة الطفلتين اللتين يقلقهما سؤال وجودي ومصيري عن كيفية إنجاب الأطفال، إلى جانب أداء الممثلتين الصغيرتين الرائع. تقتنع الأخت الكبرى من خلال شرح المعلمة أنّ هنالك دودة تخرج من الأب وتجد طريقها إلى الأم، فتدخلها، وهكذا تصبح حاملاً. بناءً على هذه النظرية العجيبة، تنشغل الأختان في تقفي آثار الدود في المنزل، والبحث عن «الدودة» التي هي أخوهما المستقبلي، وكل الخوف من أن يضل طريقه، ويدخل فيهما بدلاً من «الأم». تقرران النوم داخل أكياس من بلاستيك خوفاً من الحمل عن طريق الخطأ. سرد بديع للخيال الطفولي، مع تجسيد طريف للمشاعر الأوديبية التي تصورها هذه الهواجس، والرغبة الضمنية في أخذ مكان الأم. لاحقاً، يصوّر الفيلم شخصية الأم «عواطف» (الممثلة ميرنا مكرزل في دور تبرع في أدائه) التي تبدو منهكة، وتشكو من مشقّة مهامها المنزلية والاهتمام بالطفلتين طوال النهار، ومن زوجها الذي يتمتع بطاقة جنسية لا تستطيع مجاراته. تقرر تزويجه لأخرى كي تساعدها في الأعمال المنزلية صباحاً وفي الأعمال الأخرى مع زوجها ليلاً بالرغم من معارضة الزوج.


يبرع في السرد السينمائي
ونسج الإيقاع وسلاسة الحوارات
وطرافتها الذكية

الأمر قد يبدو كوميدياً لكن بطريقة عجيبة، فلا يبدو هنالك مبرر واضح له ضمن الإطار السردي وعلاقة الزوجين المتناغمة الذي يصورها المخرج، ولو أنها لا تخرج عن بعض الصور النمطية التي نراها في السينما العربية في تصويرها الغريب والطفولي للعلاقة الحميمة كمشاهد المغازلة بين الزوجين التي تعتمد بشكل أساسي على فعل "القرص" أو لعب اللقيطة معاً. إن كان المخرج يقصد به تمنّع الزوجة، فقد يكون شبه مفهوم، لكنّ هذا لا يقتصر على هذا الثنائي، بل نراه في المشاهد العاطفية بين الأزواج الآخرين في الفيلم. لا يمنع أن طرافة الحوار حاضرة هنا كما في المشاهد الأخرى. تقدم دائماً طرحاً هو أكثر استثنائية مما تبدو عليه الحبكة الروائية ظاهرياً، كما قول عواطف لدى معارضة زوجها تزويجه بأخرى: "أنا بدي مرا". قد يكون ذلك سبباً أكثر منطقية لإصرارها على تزويج زوجها، أو أيضاً رغبتها بأن تحل أخرى مكانها كأم وزوجة، وهو الدور الذي سئمت منه. أيضاً يعكس ذلك رغبتها في هجر حياتها. لكن المحرك الأساسي لرغبتها يظل ملتبساً ضمن الطرح الإخراجي. في الشقة المقابلة لهذا البيت، يسرد المخرج قصة ثنائي شاب هما «بتول» (زينب هند خضرة) و«مختار» (حسين مقدم) المتزوجين حديثاً. في كل مرة يخرجان فيها، تنتهي الليلة بمشادة ضخمة يحضرها كل الجيران، جراء غيرة الزوج الجنونية على زوجته، فيقوم بتعنيفها وإهانتها في العلن، ثم يطلقها بعد ذلك إلى أن يطلقها للمرة الثالثة. هنا، يتوجب عليها أن تتزوج رجلاً غيره إن أرادا الزواج مجدداً. بالتوازي مع ذلك، يصور المخرج قصة «لبنى» (دارين حمزة) التي تتطلق من زوجها الذي لا تحبه. تعود لبنى للقاء حبيبها «أبو أحمد» (رودريغ سليمان) الذي يملك محلاً لبيع الخضار وصار متزوجاً الآن. يلتقيان سراً وتعقد معه زواج متعة «بالحلال» كما تقول. تتزين له كل ليلة وتطبخ له، إلا أنه لا يستطيع أن ينسى مذاق أكل زوجته الأولى، الذي هو أساس حبّه لها. أيضاً، يثابر «أبو أحمد» على وصفها بالمطلقة، وبسبب ذلك، فسمعتها باتت في الحضيض، لكن الخوف على سمعته هو «صاحب العيلة» كما يقول.
لا شك في أن أسد فولادكار يحاول في هذا الشريط تصوير العلاقات العاطفية من زاوية مختلفة ضمن المجتمع التقليدي، وخصوصاً الإسلامي الذي قلما نراه في السينما. علماً أنّ كل البطلات محجبات باستثناء «لبنى» (دارين حمزة). لكن ذلك جعل عمل المخرج أكثر دقة، فلا يمكننا أن نحيد عن الصراعات المختلفة التي تواجه المرأة ضمن هذا المجتمع التقليدي أو المتدين مثلما يقدمه. كما يصوّرها، هي تتقبل الإهانة والتعنيف كجزء من الحب أو طبيعة العلاقات في هذا المجتمع، باستثناء شخصية "عواطف" الأقوى. بالرغم من قرارها بتزويج زوجها، إلا أنّها تنتصر لنفسها عبر تهميش وتهشيم المرأة الأخرى التي تنتقيها له، ضمن إطار كوميدي كما يصوره المخرج. لكن المشكلة أنه في تداخل الكوميديا والدراما، تبدو الرؤية ملتبسة، فلا تبدو وجهة النظر الإخراجية حاسمة في موقفها من الصراعات الدائرة كتصوير تعنيف «مختار» الغيور لزوجته «بتول» ضمن إطار كوميدي وكاريكاتوري، وربط هذه الغيرة بحبه لزوجته، في حين من الواضح أنه مصاب بالغيرة المرضية والبارانويا. كما أنه لا داعي حتى للتوضيح أنّ تعنيف المرأة ليس مزحة. هذا التداخل غير الواضح بين الكوميديا والدراما هو مشكلة الفيلم، كما أيضاً تصويره للعمال الأجانب. العاملة الأجنبية تدافع عن «بتول» التي يضربها «مختار»، فتصرخ عليه بطريقة غير مفهومة: هل القصد منها كوميدي؟ وماذا عن الناطور الهندي الذي يختاره «مختار» لعقد قرانه على زوجته بعدما طلقها ثلاث مرات كي يتسنى لهما الزواج مجدداً، لأنها بطبيعة الحال بالنسبة له ولها لن تغرم بالناطور؟ إذا كان المخرج يقصد غالباً انتقاد هذه الشخصيات، إلا أنه في السرد، تقترب الكوميديا من العنصرية التي لا نتبين وجهة نظر إخراجية حاسمة ضدها. ولنا أن نتساءل أيضاً: هل هذه النماذج النسائية التي تقترب أحياناً من الكاريكاتور سلباً أم إيجاباً، تجسد صراعات المرأة الحالية أو واقعها في المجتمع التقليدي أو خارجه، محجبة كانت أم لا؟ لم يكن حتى ضرورياً الخوض في كل هذه التساؤلات لو لم يكن العمل يطرح نفسه سينمائياً بشكل جدي. كذلك تظهر موهبة المخرج في السرد السينمائي ونسج الإيقاع وسلاسة الحوارات وطرافتها الذكية التي تبلورت بعد أكثر منذ فيلمه «لما حكيت مريم».

* «بالحلال»: صالات «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1209)، «فوكس» (01/285582)

  • «لبنى» (دارين حمزة) و«أبو أحمد» (رودريغ سليمان) في مشهد من العمل

    «لبنى» (دارين حمزة) و«أبو أحمد» (رودريغ سليمان) في مشهد من العمل

0 تعليق

التعليقات