■ كيف بدأت مغامرة «متروبوليس»؟في الحقيقة، ربما هي تأخرت لتبدأ، ليس «متروبوليس» على وجه الخصوص، لكن أن تكون هناك صالة للسينما المستقلة أو كما سميت «فن وتجربة»، هي تجربة بنيت أيضاً على التجارب الأخرى التي كانت موجودة حينها، وأثبتت نجاحها ومهدت الطريق لـ «متروبوليس» من «مهرجان السينما الأوروبية» إلى «أيام بيروت السينمائية»، وحتى «مهرجان الفيلم اللبناني». فعاليات لاقت إقبالاً من الجمهور وولدت عنده رغبة لأن يكون هنالك تنوع أكثر في برامج العروض في الصالات من حيث نوعية الأفلام. قبلها أيضاً، كانت تجربة ديما الجندي «صالة ٦». حين بدأ الإنتاج السينمائي يتطور بخجل، كانت هناك أيضاً رغبة المخرجين والمنتجين برؤية هذه الأفلام خارج إطار المهرجانات، فكان هناك ترحيب وأرضية مجهزة لتأسيس هذا المشروع الذي ينطبق عليه وصف المغامرة. أيضاً، لعبت المصادفة دورها. حينها، كنا نبحث عن مكان لتأسيس الصالة، وكانت نضال الأشقر ترمّم «مسرح المدينة» وكانت هنالك الصالة الصغيرة الموجودة حالياً في «مترو المدينة» متوافرة. وجدنا حجمها وموقعها مناسبين تماماً وبدأنا المشروع بتمويل صغير من السفارة الفرنسية في١١ تموز (يوليو) ٢٠٠٦.

■ بعد انتقالكم إلى «صوفيل»: في الأشرفية، هل تغير جمهور «متروبوليس»؟
الانتقال من مكان إلى آخر ليس تفصيلاً عابراً. لكن «متروبوليس» ارتبطت بنوع سينمائي معين، لا بالمكان الذي بدأنا فيه. كنا نريد بناء مكان يحتضن الإنتاج اللبناني والعربي، ويستوعب الأفلام من شتى أنحاء العالم، فكان موقع السينما هاماً. لكن بعد سنة ونصف السنة، باتت الصالة الموجودة في «مسرح المدينة» لا تتسع لكل الجمهور، وازدادت العروض، فانتقلنا إلى «صوفيل» التي كانت معروفة بأنّها صالة المهرجانات. بات عندنا صالتان، والصوت من الناحية التقنية كان أفضل. وهنالك جزء من الجمهور لحق بنا، وجمهور جديد من المحيط تعرف إلينا، لكن أيضاً هناك الجمهور الثالث الذي هو أساسي أيضاً بالنسبة إلينا، أي الجمهور اليافع المؤلف من طلاب المدارس الذي عملنا معه من بداية تأسيس «متروبوليس». هنالك مفهوم يسمونه في فرنسا بما يعرف بسينما الحي، وهذا كان شائعاً مثلاً في الحمرا سابقاً، حيث كان هنالك العديد من الصالات فيقصد الشخص السينما الأقرب إليه، لكن اليوم الأمور تغيرت، فأغلب صالات السينما صارت في المراكز التجارية.
كأنّ الناس يخافون الفيلم العربي، وربما يعتقدون أن كل إنتاج من خارج هوليوود هو صعب ومرهق

■ بالنسبة إلى التمويل، كيف استطاعت «متروبوليس» الاستمرار طوال هذه السنوات؟
قبل تأسيس «متروبوليس»، كنت أعمل في مهرجان «أيام بيروت السينمائية». من خبرتي أعلم مدى صعوبة تأمين استمرارية لمشاريع ثقافية وكم أنّ التمويل آني ومرتبط بأولويات وظروف محلية وإقليمية. ليست عندنا رفاهية أن يكون لدينا تمويل ثابت من مصدر واحد، فما تتقاضاه «متروبوليس» من وزراة الثقافة هو مبلغ رمزي، والطريقة الوحيدة للاستمرار كانت بتنويع وتوسيع مصادر التمويل لدينا، من التمويل الحكومي الأجنبي بخاصة الأوروبي، والرعاة والشراكات مع مؤسسات تمنحنا أفلاماً، والنشاطات والبرامج خارج صالة السينما، إلى المتبرعين المستقلين.

■ حين بدأت «متروبوليس»، كانت مهرجانات السينما تعد على الأصابع. اليوم كثرت المهرجانات، كيف أثر هذا على الجمهور؟
طبعاً إيجابياً. إذ ما أردنا أن نتخيل أن عدد الجمهور ثابت ونقسمه على المهرجانات، فهذا أسلوب في التفكير سيحدنا ويدفعنا إلى الظن أن مهرجاناً واحداً للسينما في السنة جامع وموحد أفضل. لكن في الحقيقة، الجمهور ليس واحداً. نحن نخلق مهرجانات تستقطب أنواعاً مختلفة من الجمهور، بالإضافة إلى أنّ الجيل الجديد من الجمهور الذي تربى على تعدد واختلاف المهرجانات، بات متطلباً أكثر وحتى إنتاج السينما اللبنانية ازداد ووصل إلى ١٢ أو ١٣ فيلماً في السنة.

■ هل مقولة أنّ الجيل الجديد بأغلبه غير متذوق للسينما النوعية، بل يفضل الأفلام التجارية دقيقة برأيك؟
برأيي حين نضع اللوم على الجمهور، فإننا نتنصّل من المسؤولية. مسؤوليتنا نحن أن نعرض أنواعاً مختلفة من السينما للجمهور كي يعتادها ونعطيه فرصة كي يكوّن رأيه الخاص. الجمهور يختار ما هو متاح أمامه والصالات التجارية لا تعرض سوى الفيلم الذي سيحقق لها إيرادات أكبر. يُفترض أن تكون هناك سياسات ثقافية وحد أدنى من التنوع في ما تقدمه الصالات التي يقصدها أغلب الناس، والعديد منهم لا يقصد «متروبوليس»، وقد يعتبر بعضهم المكان نخبوياً وغير قادر على استيعابه وأنا لا ألومه.

■ ماذا عن إنتاجات السينما اللبنانية والعربية، هل تلعب دورها في إقصاء الجمهور غير الانتقائي، فنادراً ما نجد بين الإنتاجات أفلاماً جماهيرية بخلاف الأفلام التجارية. أفلام يمكن وصفها بالوسطية باستثناء تجربة نادين لبكي؟
نادين لبكي هي معيار خلقت حالة خاصة، والناس تعاطفوا مع هذه الحالة ونمط أفلامها. صحيح، هي خلقت سينما جماهيرية لكن ليست تجارية، كنوع من التسوية بين الاثنين. وطبعاً نحن بحاجة لأفلام من هذا النمط وذلك ضروري لخلق صناعة سينمائية. لكن هناك أفلام صدرت أخيراً تحاذي النمط نفسه كما «فيلم كتير كبير» لميرجان بو شعيا، أو فيلم صوفي بطرس «محبس» أو قبلها فيلم «غدي» لأمين درة.

■ في السنتين الأخيرتين، عرضت «متروبوليس» الكثير من إنتاجات السينما العربية الاستثنائية التي لم تجد من يحتضنها غيرها، كـ «ذيب» لناجي أبو نوار الذي نال العديد من الجوائز ورشح للأوسكار، أو فيلم «على حلة عيني» لليلى بو زيد أو «فتاة المصنع» لمحمد خان. مع ذلك، ظلّ إقبال الجمهور على هذه الأفلام دون المستوى المطلوب؟
هذا بسبب التوقعات المسبقة للجمهور. كأنّ المشاهدين يخافون الفيلم العربي، وربما يعتقدون أن كل إنتاج من خارج هوليوود هو صعب ومرهق، في حين يبحثون في وقت راحتهم عن الترفيه. لكن هذا التوقع ليس دقيقاً. مثلاً، «ذيب» فيلم ويسترن أردني مشغول بشكل متقن، و«حلة عيني» من الأفلام التي يسهل استيعابها للجمهور، وهو ممتع رغم قيمته الفنية. التناقض الحاصل أنّ هناك اهتماماً وتشجيعاً للسينما العربية. بات لدينا الكثير من المهرجانات التي تتنافس حتى على الأفلام، مما ولد توقعات عالية لدى المخرجين. لكن الواقع في الخارج ليس على صلة بواقع المهرجان. قد يحصد فيلم العديد من الجوائز القيمة، لكن الجمهور الواسع ليس على دراية لا به ولا بمخرجه، هذه هي العلاقة الصعبة مع الجمهور وميزانية الترويج للافلام العربية لا يمكن أن تقارن بالأفلام الهولوودية، مهما كان مستوى هذه الأفلام، فالترويج معيار أساسي في استقطاب المشاهدين.

■ هل لديكم مشروع لتجديد صالات السينما؟
نعمل حالياً على مشروع أكبر هو بناء «سينماتيك» في بيروت. مكان مستقل وخاص يحوي ٣ صالات، بالإضافة إلى مكتبة سينمائية كبيرة ومقهى صغير حميمي. المكان كما فكرنا به هو سينمائي وثقافي مفتوح على المدينة. سيكون هناك أرشيف سينمائي في متناول الجميع حيث يمكن الاطلاع على الأفلام القديمة، إلى جانب مركز توثيق يحوي كل ما له علاقه بتاريخ السينما اللبنانية، من سيناريوهات، وملصقات وأرشيف صحافي عن السينما اللبنانية، ومقابلات مع مخرجين.

■ هل اخترتم المكان، ومتى من المتوقع أن يكتمل؟
مبدئياً، سيكون في منطقة العدلية ونأمل انتهاءه في غضون سنتين ونصف السنة.

■ هل تحبين أن تضيفي شيئاً؟
مشروع «متروبوليس» كان تحدياً شخصياً. حين بدأنا في ١٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٦، وأتت حرب تموز، كانت ضربة قوية. فهمنا أن الأمور لن تكون كما خططنا وبرمجنا والصعوبات ستفوق توقعاتنا. هي حالة كل المشاريع الثقافية في لبنان كأنما تعاني دوماً من نوع من الهشاشة. لا تعرفين ماذا سيحدث. كنت دائماً أقول لنفسي، إذا تخطينا العشر سنوات، فهذا جيد جداً. بالرغم من أن رقم العشر سنوات هو رقم صغير نسبياً، لكن رمزياً أحس أنّنا تخطينا مرحلة. لذلك نقيم في هذه المناسبة هذا النوع من الاحتفالية. هنالك أشياء كثيرة أرغب في تحسينها، لكن ربما كانت هذه الفترة ضرورية للاختبار.

* احتفال بعيد «متروبوليس»: 20:00 مساء الجمعة 8 تموز (يوليو) ـــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الاشرفية ـ بيروت) ـ للاستعلام: 03/971579